ثم ملك بعده عمرو بن المنذر (١) قال اليعقوبي : وهو ابن هند ، وكان يلقّب بمضرّط الحجارة (لشدّته على العرب). وكان قد جعل الدهر يومين : يوما يصيد فيه ويوما يشرب ، فاذا جلس لشربه أخذ الناس بالوقوف على بابه حتى يرتفع مجلس شرابه .. فلم يزل طرفة بن العبد يهجوه ويهجو أخاه قابوسا ويذكرهما بالقبيح ويشبّب باخت عمرو ويذكرها بالعظيم .. ويساعده على هجائه المتلمّس. فقال لهما عمرو : قد طال ثواكما ، ولا مال قبلي ، ولكن قد كتبت لكما الى عاملي بالبحرين يدفع لكل واحد منكما مائة ألف درهم!
فأخذ كل واحد منهما صحيفة. واستراب المتلمّس بأمره ، فلما صارا عند نهر الحيرة لقيا غلاما عباديا (٢) فقال له المتلمّس : أتحسن أن تقرأ؟ قال : نعم. قال : اقرأ هذه الصحيفة : فاذا فيها : إذا أتاك المتلمّس فاقطع يديه ورجليه. فطرح الصحيفة وقال لطرفة : في صحيفتك مثل هذا! قال : لا يجترئ على قومي بهذا وأنا بذلك البلد أعزّ منه! ومضى الى عامل البحرين بصحيفته دون أن يقرأها.
__________________
لقباد الساساني وفي عهده كان الحارث الغساني قد أقام دولته في الشام للروم ، فاشتبك المنذر معه في حروب طاحنة أسر فيها ابنا للحارث فقتله سنة (٥٤٤ م) وهو صاحب يوم حليمة المعروف بالقرب من قنّسرين وفيها قتل (٥٥٤ م) ، فملك أربعين عاما تقريبا ، وقال المسعودي : (٣٤) ، واليعقوبي : (٣٠).
(١) مروج الذهب ٢ : ٧٤. من (٥٥٤ ـ ٥٦٩ م) وساءت العلاقة بينه وبين قباد الساساني في أوائل ملكه (قبل ٥٥٩ م) فعزله قباد وولّى مكانه الحارث بن عمرو أمير كندة ، ثم توفى قباد (نحو ٥٥٩ م) وتملك خسرو أنوشيروان فأعاد المنذر الى حكم الحيرة فحارب الحارث فهزمه وقتله. ولقّب محرّق العرب لأنه حرّق قوما من العرب من بني تميم في يوم أوارة باليمامة وفاء بنذره ـ العصر الجاهلي ، لشوقي ضيف : ٤٥. وحيث عاد الى الحكم توهم اليعقوبي التعدد فقال : ثم ملك عمرو بن المنذر الثاني ١ : ٢١٠ ط بيروت.
(٢) أي نصرانيا ، أهل عبادة ، وقراءة في الكتب.