ثم انّ كسرى استشار وزراءه في توجيه الجند معه ، فقال المؤبدان (١) إنّ لهذا الغلام حقا بوعدك لأبيه وموته ببابك وفزع هذا إليك. وفي سجون الملك رجال ذووا نجدة وبأس ، فلو أنّ الملك وجّههم معه ، فإن أصابوا ظفرا كان له ، وان هلكوا كان قد استراح وأراح أهل مملكته منهم ، ولم يكن ذلك ببعيد عن الصواب.
قال كسرى : هذا الرأي. وأمر بمن كان في السجون من هذا الضرب أن يحصوهم ، فأحصوا فبلغوا ثمانمائة نفر ، فقوّد عليهم قائدا من أساورته (٢) يقال له : وهرز ـ أو بهروز ـ كانوا يعدلونه بألف استوار ، وقوّاهم وجهّزهم وأمر بحملهم في ثماني سفن في كلّ سفينة مائة رجل.
فركبوا البحر فغرقت من السفن الثمانية سفينتان ، وسلمت ست سفن ، وخرجوا بساحل حضرموت ، فنزل وهرز على سيف البحر فجعل البحر وراء ظهره. ولحق بمعديكرب بن سيف بشر كثير.
وسار إليهم مسروق في مائة ألف من الحبشة وحمير والأعراب فلمّا نظر مسروق الى قلة من مع وهرز أرسل إليه : ما جاء بك وليس معك الّا من ارى ، ومعي من ترى؟ قد غرّرت بنفسك وأصحابك ، فإن أحببت اذنت لك فرجعت الى بلادك ، وان أحببت أجّلتك حتّى تشاور أصحابك وتنظر في أمرك ، وان أحببت ناجزتك الساعة.
ورأى وهرز انّه لا طاقة له بهم ، فأرسل الى مسروق : بل تضرب بيني وبينك اجلا ، وتعطيني موثقا وعهدا الّا يقاتل بعضنا بعضا حتى ينقضي الأجل ونرى رأينا. ففعل مسروق ذلك.
__________________
(١) لقب عالم المجوس ، ومن هنا يظهر انّ الاستشارة كانت استفتاء شرعيا : هل يجب عليه شيء أو لا؟
(٢) جمع الاسوار ، وهو كما يقال اليوم في الفارسية : الاستوار ، رتبة من الرتب العسكرية.