وأقام كلّ واحد منهما في عسكره حتّى مضت عشرة أيام ، وكان مع وهرز ابنه ، فخرج ذات يوم على فرس له حمله الى عسكرهم فقتلوه. فلمّا لم يبق من الأجل الّا يوم واحد أمر بالسفن الّتي كانوا فيها فأحرقت ، وأمر بما كان معهم من فضل كسوة فاحرق ولم يدع منه الّا ما كان على أجسادهم ، ثم أمر بفضل الزاد فألقي في البحر ، ثمّ قام فيهم خطيبا فقال : أمّا ما حرقت من سفنكم فأني أردت ان تعلموا أنّه لا سبيل الى بلادكم أبدا ، وأمّا ما حرّقت من ثيابكم فانّه كان يغيظني ان ظفرت بكم الحبش ان يصير ذلك إليهم ، وأمّا ما ألقيت من زادكم في البحر فإنّي كرهت ان يطمع احد منكم ان يكون معه زاد يعيش به يوما واحدا بعد اليوم ، فإن كنتم قوما تقاتلون معي وتصبرون فاعلموني ذلك. فقالوا : نقاتل معك حتّى نموت عن آخرنا أو نظفر!
فلمّا كان صبح اليوم الّذي انقضى فيه الأجل عبأ أصحابه وأقبل عليهم يحضّهم على الصبر. وأمرهم أن يوتروا ويعدّوا قسيّهم ، ولم يكن لليمنيين نشّاب (١) قبل ذلك اليوم ، فقال لأصحابه : اذا امرتكم ان ترموا فارموهم رشقا بالپنجكان (٢).
وأقبل مسروق في جمع لا يرى طرفاه طويلا يمينا ويسارا ، وهو على فيل وعلى رأسه تاج وبين عينيه ياقوتة حمراء مثل البيضة. ثمّ نزل من الفيل فركب فرسا ، فأخرج وهرز نشّابة فوضعها في كبد قوسه وقال لهم : ارموا ، فرموا ، ورمى مسروقا في جبهته فسقط عن دابته ، وقتل من ذلك الرشق الواحد جماعة كثيرة من جيش الأحباش ، ولمّا رأوا صاحبهم مسروقا صريعا انفضوا ، حتّى كان الاستوار يأخذ من الحبشة ومن حمير والأعراب الخمسين والستين فيسوقهم مكتّفين
__________________
(١) کلمة فارسية أصلها : نوش آب : مصّاص ماء البدن : الدم.
(٢) كلمة فارسية من پنج بمعنى الخمسة ، تعني : النشاب ذو شعب خمسة من النصال الحديدية.