من هذا الكتاب ولا تفسيرا له ولا شاهدا عليه ، لما ذكرت من الاختصار ، وأشعارا ذكرها لم أر أحدا من أهل العلم بالشعر يعرفها ، وأشياء بعضها يشنع الحديث به (!) وبعض يسوء بعض الناس ذكره (!) وبعض لم يقرّ لنا البكّائي بروايته (؟) ومستقص ـ إن شاء الله تعالى ـ ما سوى ذلك منه بمبلغ الرواية له والعلم به» (١).
إذن فقد أسقط ابن هشام من عمل ابن إسحاق : تأريخ الأنبياء من آدم إلى إبراهيم ، ومن ولد إسماعيل من ليس في عمود النسب النبوي الشريف ، كما حذف من الأخبار ما يسوء بعض الناس! ومن الشعر ما لم يثبت لديه. ولكنّه زاد فيه ممّا ثبتت لديه من رواية ، ولذلك نسبت السيرة إليه وعرفت به ، حتّى لا يكاد يذكر ابن إسحاق معه ، فقد عرفت سيرة ابن إسحاق بين العلماء منذ عهد بعيد باسم ابن اسحاق في السيرة، لما له فيها من رواية وتهذيب.
وبهذا الصدد قال ابن خلّكان في ترجمة ابن هشام : «وابن هشام هذا هو الّذي جمع سيرة رسول الله من المغازي والسّير لابن إسحاق وهذّبها ولخّصها ، وهي السيرة الموجودة بأيدي الناس المعروفة بابن اسحاق في السيرة».
ولم تنقطع العناية بالتأليف في السيرة إلى يومنا هذا ، إلّا أنّ الموضوع في ذاته ليس أمرا يقوم على التجارب ، أو فكرة يقيمها برهان وينقضها برهان ، شأن النظريات العلميّة الّتي نرى تجديدها وتغييرها على مرّ السنين ، وإنّما هو من العلوم النقليّة لا العقليّة ، فكان المشتغلون به أوّلا محدّثين ناقلين ، ثمّ جاء من بعدهم جامعين مبوّبين ثمّ ناقدين معلّقين. ولم يكن قابلا للتجديد في جوهره ، إلّا بمقدار قليل حسب النقد الدقيق ، وإنّما كان التجديد في أشكاله وصوره شرحا أو اختصارا ، أو شيئا من النقد قليلا مشيرا إلى ما فيه من أخطاء.
__________________
(١) ابن اسحاق في السيرة١ : ٤.