فلمّا بلغوا عشرة قال : قد وفى الله لي ، فلأوفين لله عزوجل : فأدخل ولده الكعبة وأسهم بينهم ، فخرج سهم عبد الله أبي رسول الله صلىاللهعليهوآله وكان أحبّ ولده إليه ، ثمّ اجالها ثانية فخرج سهم عبد الله ، ثمّ اجالها ثالثة فخرج سهم عبد الله! فأخذه وعزم على ذبحه! فاجتمعت قريش ومنعته من ذلك ، واجتمع نساء عبد المطّلب يبكين ويصحن ، وقالت ابنته عاتكة : يا أبتاه اعذر فيما بينك وبين الله في قتل ابنك. قال : وكيف اعذر يا بنيّه؟ قالت : اعمد الى تلك السوائم الّتي لك في الحرم فاضرب القداح على ابنك وعلى الإبل وأعط ربّك حتّى يرضى.
فبعث عبد المطّلب الى ابله فأحضرها وعزل منها عشرا وضرب بالسهام فخرج سهم عبد الله ، فما زال يزيد عشرا عشرا حتّى بلغت مائة ، فضرب فخرج السهم على الإبل ، فكبّرت قريش تكبيرة ارتجّت لها جبال تهامة! فقال عبد المطّلب : لا ، حتّى اضرب بالقداح ثلاث مرات فضرب ثلاثا كلّ ذلك يخرج السهم على الإبل! فلمّا كانت في الثالثة اجتذبه الزبير وأبو طالب واخواتهما من تحت رجليه فحملوه ـ وكان خدّه على الأرض فانسلخت جلدة خدّه ـ وأقبلوا يرفعونه ويقبّلونه ويمسحون عنه التراب. وأمر عبد المطلب أن تنحر الإبل بالحزورة (١) ولا يمنع أحد منها.
فكانت لعبد المطلب خمس من السنن اجراها الله عزوجل في الإسلام : حرّم نساء الآباء على الأبناء ، وسنّ الديّة في القتل مائة من الإبل ، وكان يطوف بالبيت سبعة أشواط ، ووجد كنزا (٢) فأخرج منه الخمس ، وسمّى زمزم حين حفرها :
__________________
(١) الحزورة كدحرجة : تل معروف في مكّة كان يتخذ سوقا ـ كما في الصحاح وقد نقل الخبر ابن اسحاق في سيرته يقول : فيما يزعمون. ثمّ جاء بالخبر ناسبا الى عبد المطلب أنّه ذبح للأصنام : وهو مردود بما رويناه سندا معتبرا عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام.
(٢) لعلّه ـ كما سبق ـ هو ما دفنته جرهم في زمزم من هدايا الكعبة.