وأصرّ على تكرير ما في خبر الجهم «نرعى بهما لنا» أي نرعى الصغار من الغنم ، وليت شعري اذا كان الّذي أو الّذين معه أترابه وهو كما في خبر الجهم بعد أشهر من فصاله فكيف يرعى الغنم؟!
وانّ هذا لعمري لدليل على وضع الخبر وقصر حبل الكذب! وهذا الاختلاف بذاته لمن الدواعي الّتي تثير الشكوك حول هذه الحادثة ، وبخاصة اذا نظرنا الى أسانيد هذه الروايات وعرضناها على الاصول الّتي لا بد من توفّرها لقبول الرواية ، وان كان لم يقنع بهذا القدر من التشكيك كثير من كتّاب السيرة (١).
وحينما نراجع تراجم الرجال نجد انّ ارباب التراجم قد رجموا ثور ابن يزيد بأنّه : شاميّ كان يرى القدر ، أي هو من القدرية وأنا أرى أنّ القدرية الّتي ينسب إليها الشاميون في شعاع أفكار الأمويين هي أنّ أعمال العباد بقدر مقدّر قد قضى به الله ، لا القدر بمعنى يجتمع مع ارادة الإنسان واختياره.
وعلى هذا فهو متهم بوضع ما يؤيد به مذهبه القدري الجبري ، كما قال السيد المرتضى العاملي :
«ألا تعني هذه الرواية انّه صلىاللهعليهوآله كان مجبرا على عمل الخير ، وليس لارادته فيه أيّ أثر أو فعّالية أو دور؟! لأن حظّ الشيطان قد ابعد عنه بشكل قطعي وقهريّ ، وبعملية جراحية ، وهل اذا كان الله يريد أن لا يكون عبده شرّيرا احتاج في اعمال قدرته الى عمليات جراحية كهذه على مرأى من الناس ومسمع؟!» (٢) هذا الى خمس نقاط اخرى نقد بها السيد المرتضى هذا الخبر. ولعلّه أخذ هذا المعنى عن رواية جاهلية عن أميّة بن أبي الصلت : أنّه دخل على اخته فنام على سرير في ناحية البيت ، فانشق جانب من السقف في البيت ، واذا بطائرين قد وقع أحدهما
__________________
(١) السيد الحسني في كتابه : سيرة المصطفى : ٤٦ بعد ان اعترف بما في ذلك من التشكيك.
(٢) الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلىاللهعليهوآله ١ : ٨٦.