فقدموا عليه في صنعاء ، فاستأذنوا فإذا هو في رأس قصر يقال له (غمدان) فدخل عليه الآذن فأخبره بمكانهم فأذن لهم ، فلمّا دخلوا عليه دنا عبد المطّلب منه فاستأذنه في الكلام ، فقال : ان كنت ممّن يتكلّم بين يدي الملوك فقد أذنّا لك. فتكلّم عبد المطّلب فقال فيما قال : نحن ـ أيّها الملك ـ أهل حرم الله وسدنة بيته ، أشخصنا إليك الّذي أبهجنا من كشف الكرب الّذي فدحنا ، فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزئة. قال : وأيّهم أنت أيّها المتكلّم؟ قال : أنا عبد المطّلب بن هاشم. فأقبل عليه وعلى القوم فقال :
مرحبا وأهلا ومستناخا سهلا ، قد سمع الملك مقالتكم وقبل وسيلتكم ، فلكم الكرامة ما أقمتم والحباء اذا ظعنتم.
ثمّ أمر بهم الى دار ضيافة الوفود فأقاموا شهرا لا يصلون إليه ولا يأذن لهم بالانصراف ، ثمّ انتبه لهم فأرسل الى عبد المطّلب فأخلى له مجلسه وأدناه ، ثمّ قال له : يا عبد المطّلب : انّي مفوّض إليك من سرّ على أمر ما لو كان غيرك لم أبح له به ، ولكنّي رأيتك معدنه فاطلعتك عليه ، فليكن عندك مطويا حتّى يأذن الله فيه فإن الله بالغ أمره : إنّي أجد في الكتاب المكنون والعلم المخزون الّذي اخترناه لأنفسنا وحجبناه دون غيرنا خبرا عظيما وخطرا جسيما فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة ، للناس عامة ولرهطك كافة ولك خاصّة.
فقال عبد المطّلب : فما هو؟ فقال : اذا ولد بتهامة غلام بين كتفيه شامة ، كانت له : الإمامة ولكم به الدعامة الى يوم القيامة. هذا حينه الّذي يولد فيه أو قد ولد ، اسمه محمّد ، يموت أبوه وامّه ويكفله جدّه وعمّه. وقد ولد سرارا والله باعثه جهارا وجاعل له منّا أنصارا ، ليعزّ بهم أولياءه ويذلّ بهم أعداءه ، يضرب بهم الناس عن عرض (١) ويستبيح بهم كرائم الأرض ، يكسر الأوثان
__________________
(١) العرض بضم العين : من يعترض لهم.