وكفل رسول الله بعده عمّه أبو طالب ، فكان خير كافل. فكان أبو طالب سيدا شريفا مطاعا مهيبا ، مع املاقه! (١) وربّته فاطمة بنت أسد بن هاشم امرأة أبي طالب وأمّ أولاده (٢).
وروى ابن شهرآشوب عن الأوزاعي (٣) قال : كان النبي في حجر عبد المطّلب ، فلمّا أتى عليه اثنان ومائة سنة ورسول الله ابن ثماني سنين ، جمع بنيه وقال : محمّد يتيم فآووه وعائل فاغنوه واحفظوا وصيّتي فيه.
فقال أبو لهب : أنا له! فقال : كفّ شرّك عنه! فقال عباس : أنا له ، فقال : أنت غضبان لعلّك تؤذيه! فقال أبو طالب : أنا له ، فقال : أنت له. فأمسكه أبو طالب في حجره وقام بأمره يحميه بنفسه وماله وجاهه في صغره من اليهود المرصدة له بالعداوة ، ومن غيرهم من بني أعمامه ، ومن العرب قاطبة ، الّذين يحسدونه على ما آتاه الله من النبوة.
وروى عن الخرگوشي في (شرف المصطفى) : أنّه لمّا حضرت عبد المطّلب الوفاة دعا ابنه أبا طالب فقال له : يا بني! قد علمت شدّة حبّي لمحمّد ووجدي به ، فانظر كيف تحفظني فيه! فقال أبو طالب : يا أبه لا توصني بمحمّد ، فإنه ابني وابن أخي!
__________________
(١) ثمّ روى عن علي عليهالسلام أنّه قال : ساد أبي فقيرا ، وما ساد فقير قبله ، (اليعقوبي ٢ : ١٤).
(٢) قال : وأسلمت فكانت مسلمة فاضلة ، فلمّا توفيت قال رسول الله كما يروى : اليوم ماتت امّي! ثمّ كفّنها بقميصه ، ونزل في قبرها واضطجع في لحدها. فقيل له : يا رسول الله! لقد اشتدّ جزعك على فاطمة؟ قال : انها كانت امّي ، اذ كانت لتجيع صبيانها وتشبعني ، وتشعثهم وتدهنني! وكانت امّي! (اليعقوبي ٢ : ١٤).
(٣) عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو الأوزاعي الفقيه : ثقة جليل من السابقة مات سنة ١٥٧ (تقريب التهذيب).