الّذي ولده حيا ولا أمّه. فقال : قلت : انّه ابن أخي وقد مات أبوه وامّه حاملة به ، وماتت امّه وهو ابن ست سنين. فقال : صدقت ، هكذا هو ، ولكن أرى لك ان تردّه الى بلده عن هذا الوجه ، فلئن رأوا هذا الغلام وعرفوا منه الّذي عرفت أنا لابتغوه شرا ، وأكثر ذلك هؤلاء اليهود! قال أبو طالب : فقلت : كلّا ، لم يكن الله ليضيّعه!.
ثمّ خرجنا به الى الشام فلمّا توصّلنا الشام ازدحم الناس ينظرون الى وجه رسول الله صلىاللهعليهوآله وجاء حبر عظيم كان اسمه نسطورا ينظر إليه لا يتكلم بشيء ، فعل ذلك ثلاثة أيام متوالية ، فلمّا كان اليوم الثالث دار خلفه كأنه يلتمس منه شيئا ، فقلت له : يا راهب كأنّك تريد منه شيئا؟ فقال : أجل انّي اريد منه شيئا ، ما اسمه؟ قلت : محمّد بن عبد الله ، فتغيّر لونه ثمّ قال : فترى أن تأمره أن يكشف لي عن ظهره لا نظر إليه ، فكشف عن ظهره فلمّا رأى الخاتم (١) انكبّ عليه يقبّله ويبكي ، ثمّ قال : يا هذا اسرع بردّ هذا الغلام الى موضعه الّذي ولد فيه ، فانّك لو تدري كم عدّوا له في أرضنا لم تكن بالّذي تقدمه معك.
وروى بسنده الى يعلى بن سيابة (٢) قال : كان مع رسول الله سنة خروجه الى الشام : خالد بن أسيد بن أبي العاص وطليق بن أبي سفيان بن اميّة ، فكانا يحكيان أنّهما لمّا توسطا سوق بصرى اذا بقوم من الرهبان قالوا لهم : نحبّ ان تأتوا كبيرنا هاهنا في الكنيسة العظمى. فذهبنا معهم حتّى دخلنا معهم الكنيسة العظيمة البنيان ، فإذا كبيرهم قد توسطهم وحوله تلامذته وقد نشر كتابا بين يديه فأخذ ينظر إلينا مرة وفي الكتاب مرّة ، ثمّ قال لأصحابه : ما صنعتم شيئا ، لم تأتوني بالّذي اريد ،
__________________
(١) روى السهيلي في (الروض الانف) خبرا عن الخاتم هذا يفيد أنّه كان كبيض الحمام على غضروف كتفه الأيسر حوله نقاط من الخال عليها شعرات. وقال ابن هشام كان مثل أثر محجمة الحجامة القابضة على اللحم ، كما في سيرته ١ : ١٩٣ ، متنا وهامشا.
(٢) في اكمال الدين : يعلى النسابة ، والصحيح عن المناقب ١ : ٤٠.