العام تاجرا الى الشام ، وتعلّق به رسول الله فرقّ له أبو طالب فخرج به معه ، فلمّا كان الركب قريبا من صومعة بحيرا ، كان قد رأى ـ وهو في صومعته ـ رسول الله وقد أظلّته من بين الركب غمامة ، ونزلوا في ظل شجرة قريبا منه ، فاظلّت الغمامة الشجرة وتدلّت أغصانها على رسول الله. فلمّا رأى ذلك بحيرا نزل من صومعته وصنع لهم طعاما كثيرا ثمّ ارسل إليهم فقال : يا معشر قريش اني قد صنعت لكم طعاما فاحبّ ان تحضروه كلكم كبيركم وصغيركم حرّكم وعبدكم! فانتم ضيف وقد أحببت ان اكرمكم وأصنع لكم طعاما تأكلون منه. فاجتمعوا إليه وتخلّف رسول الله من بين القوم في رحال القوم تحت الشجرة ، فقال بحيرا : يا معشر قريش! لا يتخلّفن أحد منكم عن طعامي. قالوا له : يا بحيرا! ما تخلّف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك ، إلّا غلام أحدث القوم سنّا تخلف في رحالهم ، فقال : ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم ، فقام إليه رجل منهم فاحتضنه حتّى أجلسه مع القوم.
فلمّا رآه بحيرا جعل يلحظه لحظا شديدا وينظر الى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده من صفته ، حتّى اذا فرغ القوم من طعامهم وتفرّقوا قام إليه بحيرا فقال له : يا غلام! أسألك بحق اللات والعزّى الّا ما أخبرتني عمّا أسألك عنه. فقال رسول الله : لا تسألني باللات والعزّى ، فو الله ما أبغضت شيئا قطّ كبغضهما! فقال بحيرا : فبالله الّا ما أخبرتني عمّا أسألك عنه ، فقال له : سلني عمّا بدا لك ، فجعل يسأله عن أشياء من حاله في نومه وهيئته واموره ، وجعل رسول الله يخبره ، فكان يوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته. ثمّ نظر الى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته الّتي عنده.
فلمّا فرغ أقبل على عمّه أبي طالب فقال له : ما هذا الغلام منك؟ قال : ابني ، قال بحيرا : ما هو بابنك ، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيّا! قال : فانّه ابن أخي. قال : فما فعل أبوه قال : مات وامّه حبلى به. قال : صدقت ، فارجع بابن