يقول : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ)(١) فحيث لم يكن يدري قبل بعثته ما الكتاب ولا الإيمان فهل لم يكن كذلك يؤمن ويتديّن بكتاب أو دين كما هو ظاهر لفظ القرآن الكريم؟ أم ما ذا؟
وأقدم ما نعلم من السابقة التأريخية لهذا التساؤل ـ مع الأسف ـ ليس عصر الرسول نفسه أو المعصومين من عترته عليهمالسلام ، بل حتّى بعد عصر الغيبة الصغرى وفي بدايات الغيبة الكبرى ، فقد طرح هذا السؤال نفسه ضمن مسائل علم الاصول ، وإليك نماذج من ذلك :
السيد المرتضى علم الهدى رضى الله عنه يقول في كتابه «الذريعة الى اصول الشريعة» : «قد استقصينا هذا الكلام وفرّغناه في كتاب «الذخيرة» (٢) ويقرّره كذلك في «الذريعة» فيقول : «هل كان رسول الله صلىاللهعليهوآله متعبّدا بشرائع من تقدّمه من الأنبياء عليهمالسلام؟ في هذا الباب مسألتان : احداهما : قبل النبوة ، والاخرى : بعدها. وفي المسألة الاولى ثلاثة مذاهب : احدها : أنّه صلىاللهعليهوآله ما كان متعبدا قطعا. والآخر : أنّه كان متعبّدا قطعا. والثالث : التوقف. وهذا هو الصحيح. والّذي يدلّ عليه : أنّ العبادة بالشرائع تابعة لما يعلمه الله تعالى من المصلحة بها في التكليف العقلي ، ولا يمتنع أن يعلم الله تعالى أن لا مصلحة للنبيّ قبل نبوته في العبادة بشيء من الشرائع ، كما أنّه غير ممتنع أن يعلم أنّ له في ذلك مصلحة ، واذا كان كلّ واحد من الأمرين جائزا ، ولا دلالة توجب القطع على أحدهما ، وجب التوقف.
__________________
(١) الشورى : ٥٢.
(٢) حقق الكتاب المحقق السيد أحمد الحسيني ، وطبع في مؤسسة النشر الإسلامي بقم المقدّسة سنة ١٤١١ ه في ٦٠٧ صفحة ، يبدأ فيه باب النبوات من ٣٢٢ الى ٤٠٨ ولم أجد الكلام المذكور فيه ولا في سائر أبواب الكتاب ، بل التحويل على الذخيرة لا يوجد في الذريعة أيضا ٢ : ٥٩٥ ط جامعة طهران.