فإذا ضممنا الى ذلك أنّه لم يكن يرى جبرئيل ولا أيّ ملك قبل نزول وحي القرآن عليه وإنّما كان يسمع ويحسّ ولا يرى الشخص ، كما مرّ في الخبر المعتبر ، أنتج : أنّ هذا الروح ـ روح القدس ـ أيضا لم يكن معه قبل نزول وحي القرآن عليه ، وإنّما اوتيه بعد ذلك أو معه ، لا قبله منذ اكتمال عقله في بدوّ سنّه كما ذهب إليه المولى المجلسي ـ قدّس الله سره ـ.
وتعليق الكلام على الوصف ان كان مشعرا بالعلّية ـ كما هو الحقّ ـ فقد علّق الإمام عليهالسلام وجود هذه الروح على وصف الرسالة : «كان مع رسول الله» في الخبرين الأوّلين ، وليس حتّى النبوة ، ممّا يشعر بأنّ هذه الروح ـ روح القدس ـ كانت مصاحبة مع وصف الرسالة ومتزامنة في البداية معها ، لا قبلها ، حتّى مع النبوة ، فضلا عمّا قبلها. ولا يقدح في هذا خلوّ الخبر الثالث من هذا التعليق ، فانّه بصدد النفي عن غيره لا الإثبات له.
وبعد كلّ ما تقدم ، فإن ما نستطيع الجزم به هو : أنّه صلىاللهعليهوآله كان مؤمنا موحدا يعبد الله ويلتزم بما ثبت له أنّه شرع الله تعالى ، وبما يؤدّي إليه عقله الفطري السليم ، والمؤيد المسدّد ، فكان أفضل الخلق واكملهم خلقا وخلقا وعقلا ... وعليه فما يذكر عنه ممّا يتنافى مع التسديد وفقا لشرع الله ، لا أساس له من الصحة ... كالخبر عن استلامه الأصنام! ذلك ما نقله القاضي عياض في كتابه «الشفاء في أحوال المصطفى» ثمّ نقل عن أحمد بن حنبل : أنّه حديث موضوع (١).
مع أنّ المؤرخين ـ ومنهم المسعودي ـ عدّوا عددا من العرب الجاهليين لم يشاركوا الجاهلية في شركها ، كقسّ بن ساعدة الإيادي ، واميّة بن أبي الصلت الثقفي ، وزيد بن عمرو بن نفيل العدوي ، وأبيه عمرو بن نفيل أخي الخطّاب بن نفيل
__________________
(١) كما في السيرة الحلبية ١ : ١٢٥ و ٢٧٠. والسيرة النبوية لدحلان ١ : ٥١. راجع الصحيح ١ : ١٥٨.