وحسب تعبير الخبر فان جابرا يصف حديث رسول الله أنّه كان يحدث عن فترة الوحي ، والفترة من الفتور ، وهو لا يكون في الوحي الّا بين وحيين ، فلا يكون الّا بعد بدء الوحي ، وفي نفس الخبر نص بالإشارة الى سبق نزول ملك الوحي إليه في حراء : «فإذا الملك الّذي جاءني بحراء جالس على كرسيّ» وفي آخر الخبر : «ثمّ تتابع الوحي» في مقابل «فتر الوحي».
فالخبر اذن لا يدلّ على أنّ الآيات من سورة المدّثّر هي أوّل ما نزل عليه (١) وإن نقل ذلك عن جابر نفسه ، كما في ما روى الطبري عن ابن شهاب عن ابن سلمة قال :
سألت جابر بن عبد الله : أيّ القرآن انزل أوّل؟ فقال : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) فقلت : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) فقال : لا اخبرك الّا ما حدثنا النبيّ قال : جاورت في حراء فلمّا قضيت جواري هبطت فاستبطنت الوادي فنوديت فنظرت عن يميني وعن شمالي وخلفي وقدّامي فلم أر شيئا ، فنظرت فوق رأسي فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض ...».
وفي لفظ آخر : «فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ، وعن شمالي فلم أر شيئا ، ونظرت امامي فلم أر شيئا ، ونظرت خلفي فلم أر شيئا ، فرفعت رأسي فرأيت شيئا ...».
نعم ليس في هذين اللفظين من الخبر ما مرّ في اللفظ الأسبق «فإذا الملك الّذي جاءني بحراء» وأيضا ليس فيهما ما كان في الأسبق أنّه صلىاللهعليهوآله كان يحدّث عن فترة الوحي ، مع أنّ الراوي هو أبو سلمة بن عبد الرحمن نفسه ، وهذا غريب! والراوي عنه هو الزهري ، ولكنّه لم يفهم من الخبر ما ادّعاه أبو سلمة بل ونسبه الى جابر
__________________
(١) كما في الميزان ٢٠ : ٨٣.