فقال لي من الغد : يا عليّ ، انّ هذا الرجل قد سبقني الى ما سمعت من القول فتفرّق القوم قبل أن اكلّمهم. فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت ثمّ اجمعهم لي. ففعلت ثمّ جمعتهم فدعاني بالطعام فقربته لهم ، ففعل كما فعل بالأمس ، وأكلوا حتّى ما لهم به من حاجة ، ثمّ قال : اسقهم ، فجئتهم بذلك العسّ فشربوا حتّى رووا منه جميعا.
ثمّ تكلّم رسول الله فقال : يا بني عبد المطّلب انّي ـ والله ـ ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به ، انّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله عزوجل أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤمن بي ويؤازرني على أمري فيكون أخي ووصيي ووزيري وخليفتي (في أهلي) من بعدي؟
فأمسك القوم وأحجموا عنها جميعا.
فقمت ... فقلت : أنا ـ يا نبي الله ـ أكون وزيرك على ما بعثك الله به. فأخذ بيدي ـ وانّي لأحدثهم سنّا وأرمصهم عينا وأعظمهم بطنا وأحمشهم ساقا ـ ثمّ قال : انّ هذا أخي ووصيّي ووزيري وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ...
فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع (١).
وإنمّا كنّى عليهالسلام بدقّة الساق وعظم البطن ورمص العين أي وسخه عن صغر سنّه ويختلف هذا اللفظ من الخبر عن سوابقه بالنصّ على المبادأة بأمره معهم بهذه الدعوة. وان كان ينقص عن خبر تفسير الحجام بعدم «انذار» فيه ، كسوابقه.
ورواية الخبر عن عبد الله بن عبّاس نوع اعتراف بعدم اسلام أبيه العبّاس يومذاك بهذه الدعوة الخاصّة المكررة ثلاثا ، بينما فيه ـ ما كان في الخبر السابق ـ
__________________
(١) أمالي الطوسي : ٢٠ ، ٢١ كما في البحار ١٨ : ١٩١ ، ١٩٢ وروى مثله فرات بن ابراهيم في تفسيره : ١٠٨ ، ١٠٩.