على اختلاف طبقاتهم ، فلم نر منهم من عرض لما تحمله السّير بين دفتيها من أخبار تتّصف بالبعد عن الحقيقة ، فنقدها وأتى على مواضع الضعف منها.
هذا ما حرمه هذا العلم في جميع أدواره السالفة إلى ما قبل أيّامنا هذه بقليل ، إذ رأينا الإيمان بأنّ في السيرة أخبارا لا تتصل بالحقّ في قليل ولا كثير ، تصحبه الجرأة ثمّ الإقدام ، ورأينا فكرة جديدة تجري بها أقلام مجدّدة ، يتناول أصحابها الخبر أو الخبرين من السيرة ، ممّا كان يتخذ مطعنا علينا في شخص النبيّ ـ صلىاللهعليهوآله ـ أو ما يتصل به ، فخلّصوه ممّا لصق به ممّا ليس منه ، وأقاموا حوله سياجا من الحجج والبراهين ، صحّ بها وأصبح حجة على الطاعنين فيه.
ومثل هذا ما فعله الاستاذ الإمام الشيخ محمّد عبده في قصّة النبيّ ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، وتزويجه زينب بنت جحش من زيد بن حارثة ثمّ ما كان من تزوّج الرسول ـ صلىاللهعليهوآله ـ إيّاها بعد تطليق زيد لها ممّا أرجف فيه الطاعنون ولغوا لغوا كثيرا.
ومنهم من عرض للكتاب في قصّة أو قصّتين منه فصاغها في اسلوب جديد ، ومثّل للناس الخبر في قالب قصصيّ خرج به عن أسانيده وذكر رواته ـ تلك الطريقة الّتي هي سرّ تقديس هذه الأخبار في هذه الكتب! ـ فبدت المعاني في هذا القالب الجديد كما يبدو الجسد في الغلالة الرقيقة لا تكاد تخفي منه شيئا. وهذا الاسلوب الجديد بما يتضمن من التّهكم بالفكرة السقيمة والخبر الغث ، يخلق به المؤلف في القارئ روح التحفّظ في قبول الأفكار وتسلّمها.
ومنهم من جرى مع ابن إسحاق في شوطه ، فتناول السيرة كما تناولها ابن إسحاق ، مبتدئا بميلاد الرسول صلىاللهعليهوآله وما سبقه أو عاصره من حوادث ، ثمّ جرى يذكر حياة الرسول إلى أن قبضه الله إلى جواره ، ناقلا من الأخبار ما يرى فيها القرب من الحقّ ، ومستبعدا ما لا يجري في ذلك مع فكرته وما يعتقد ،