وأمّا الأسود بن المطّلب : فإنّه أكل حوتا مالحا فأصابه غلبة العطش فلم يزل يشرب الماء حتّى انشق بطنه فمات وهو يقول : قتلني ربّ محمّد.
وذلك أنّهم كانوا بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله فقالوا له : يا محمّد ننتظر بك الى الظهر فإن رجعت عن قولك والّا قتلناك!
فدخل النبيّ منزله فأغلق عليه بابه مغتمّا بقولهم. فأتاه جبرئيل عليهالسلام ساعة فقال له : يا محمّد ، السلام يقرئك السلام وهو يقول : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) أظهر أمرك لأهل مكّة وادع ، (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) قال : يا جبرئيل كيف أصنع بالمستهزءين وما أوعدوني؟ قال له : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) قال : يا جبرئيل كانوا عندي الساعة بين يدي؟ فقال : قد كفيتهم. فأظهر أمره عند ذلك (١).
أمّا هذا المقطع الأخير من الخبر فهو صريح في أنّ قوله سبحانه : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) ليس بداية مرحلة الدعوة العلنية ، بل كان بادئا بها من قبل مواجها ومقابلا بها المشركين ومنهم هؤلاء المستهزءون ، قد بلغت المواجهة بعد الاستهزاء إلى حد التهديد بالقتل إن لم يرجع عن قوله ، وأن قوله سبحانه (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) ليس الّا اخبارا برفع المانع بعد وجود المقتضي كما يقولون ، لا ايجادا للمقتضي. فكيف التوفيق؟ وعلى هذا فمعنى الإعراض عن المشركين هنا هو عدم الاعتناء والاعتداد بتهديدهم. ومعنى قوله (فَاصْدَعْ) هو عدم ترتيب الأثر على تهديدهم بدخول الدار وغلق الباب والامتناع عن الدعوة بالرسالة ، وليس البدء بها.
وقد مرّ في خبر الطبرسي : قالوا : أتى جبرئيل النبي صلىاللهعليهوآله والمستهزءون يطوفون بالبيت ... ولا نجد هذا في خبر الكاظم عن علي عليهالسلام ، ومتى كان ذلك هل قبل نزول الآية أم بعدها؟
__________________
(١) الخصال ١ : ٢٧٩ ، ٢٨٠.