بتاریخ النزول أساساً في ربط الأحداث ، وإن كانت قد أشارت إليه بين حين وآخر ، وكان جلّ اعتمادها أخبار الرواة.
وليس بخاف عليك أن أخبار السيرة تدخّلت رؤى كثيرة في صياغتها حتى أصبح من الصعب على المؤرخ الموصول إلى الحقيقة مجرّدة من الشوائب ، فقد انفرط عِقد الصحابة ، وكاد ذلك السراج ينطفئ بعد رحيل المصطفى صلوات الله عليه واله ، وانفراطه أدّى إلى صياغة الأحداث بصور تتماشي إلى حدّ كبير مع وجهات نظرهم ، ومدى تأثرهم بأحداث عصرهم ، وبميولهم واتجاهاتهم ، وهكذا انطمسك حقائق كبرى بات العسير الوصول إليها ، ثمّ تدخّلت عوامل أُخرى شوّهت وجه كثير من الروايات من بعد ، يضاف إلى ذلك أنها يوم انتقلت من جيل إلى آخر دخلها بحسن نيّة أو بسوء نيّة كثير من التغيير والتصحيف والتحريف والخلط ، بسبب بُعد عصر التدوين عن عصر السيرة ، وكثر الوضع كثرة تجاوزت الأصل ، واختلقت أحداث لا أساس لها من الصحّة ، ونفخ في أحداث أُخرى حتى كادت تتفجر بسبب ما اعتراها من تزوير وتدليس وكذب وبهتان ، وهي بمجملها لا تخصُّ فرقة من الفرق ، ولا حزباً من الأحزاب ، ولا عصراً من العصور ، بل إن رواية ملفقة أحياناً تصبح روايات في حقب التاريخ المتعاقبة ، وأنت تقرأ كلّ هذه الرؤى في روايات من عصر الصحابة والتابعين ومن تلاهم في كتب التاريخ والسيرة والحديث.
أما تاريخ أميرالمؤمنين عليه السلام وسيرته فقد تآمرت أُمم من الفئة الباغية على تشويهه منذ رحيل المصطفى صلوات الله عليه وآله إلى قرون متعاقبة من الحكم العباسي الذي كان أشد نكداً وضلماً لأهل البيت من الأمويين ومن تابعهم.
وكنت مذ وعيت الدَّرس على بيّنة من هذا الأمر ، وكان مادّة درسي على طلبة الدراسات العليا لمحاضرات عدّة وأزعم أنها تركت أثراً محموداً في نفوسهم وعلى رسائلهم من بعد.