ولقد كان اليهود على فرقتين : فرقة تؤمن بالكتابة والتدوين وهم الفرّيسيون ، وفرقة اخرى تؤمن بوجوب الحفظ وعدم جواز كتابة شيء غير التوراة ، ويقال لهؤلاء : القرّاء (١) وضعف أمر الفريسيين وكثر القرّاء ، ويظهر أنّ كعب الأحبار كان من القرّاء ، كما يظهر من جوابه لعمر حينما سأله عن الشعر ، فكان ممّا قاله عن العرب : «قوما من ولد إسماعيل أناجيلهم في صدورهم (أي يحفظونها على ظهر القلب) ينطقون بالحكمة» وقد كان كعب عند حسن ظن الخليفة به فكان مقرّبا عنده ، فلعلّه قبل هذه النظريّة من كعب الأحبار.
ويشهد لذلك ما رواه ابن سعد في «الطبقات» والخطيب البغدادي في كتابه «تقييد العلم» ونقله عنهما الشيخ أبو ريّة في كتابه «أضواء على السّنة المحمّدية» قالوا : كثرت الأحاديث على عهد عمر بن الخطاب ، فأنشد الناس أن يأتوه بها ، فلمّا أتوه بها أمر بتحريقها ثمّ قال : مشنّاة كمشنّاة أهل الكتاب (٢) أو قال : ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا فاكبّوا عليها وتركوا كتاب الله ، واني والله لا أشوب كتاب الله بشيء أبدا! فمنع من الحديث عن النبيّ صلىاللهعليهوآله إلّا بشاهد ، ومنع كبار الصحابة عن الخروج من المدينة ، واستعمل على الأمصار صغارهم ممّن لا اطلاع له في الدّين ولا معرفة له بأحكامه (٣). وروى ابن سعد في «الطبقات» والخطيب البغداديّ في كتابه الآخر «جامع بيان العلم وفضله» ونقله عنهما الشيخ أبو ريّة في كتابه
__________________
(١) شرح ذلك النوري في كتابه الفارسي : لؤلؤ ومرجان : وفصله محمّد حسن ضاضا في كتابه : التفكير الديني عند اليهود.
(٢) تقييد العلم : ٥٢ والطبقات ٥ : ١٤٠ والأضواء : ٤٧ والنص المثنّاة والصحيح ما أثبتناه وهي : الروايات الشفوية.
(٣) كأبي موسى الأشعري حيث استعمله واليا على البصرة سنة ١٨ ه وله ثمان عشرة سنة إذ ولد في السنة الاولى للهجرة.