ثمّ روى عن أبيه اسحاق بن يسار ، عن حفيد أبي سلمة : سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة ، أنّه حدّثه : أن أبا سلمة لمّا استجار بأبي طالب مشى إليه رجال من بني مخزوم فقالوا له : يا أبا طالب ، لقد منعت منّا ابن أخيك محمّدا ، فمالك ولصاحبنا تمنعه منّا؟ قال : انّه استجار بي ، وهو ابن اختي ، وان أنا لم أمنع ابن اختي لم أمنع ابن أخي.
فقام أبو لهب فقال : يا معشر قريش ، والله لقد اكثرتم على هذا الشيخ ، ما تزالون تتواثبون عليه في جواره من بين قومه ، والله لتنتهنّ عنه أو لنقومنّ معه في كل ما قام فيه حتّى يبلغ ما أراد!
فقالوا : بل ننصرف عمّا تكره يا أبا عتبة.
فحين سمعه أبو طالب يقول ما يقول رجا فيه أن يقوم معه في شأن رسول الله ، فقال (قصيدة) يحرّض بها أبا لهب على نصرته ونصرة رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ.
ثمّ ذكر عشرة أبيات منها قوله :
جزى الله عنّا : عبد شمس ، ونوفلا |
|
وتيما ، ومخزوما : عقوقا وماثما (١) |
بتفريقهم من بعد ودّ والفة |
|
جماعتنا ، كيما ينالوا المحارما |
كذبتم ـ وبيت الله ـ نبزي (٢) محمّدا |
|
ولمّا تروا يوما ـ لدى الشعب ـ قائما (٣) |
ويظهر من هذا البيت الأخير أنّ ذلك كان في حين حصار الشعب ، فالنبيّ كان بجوار عمّه أبي طالب ، ودخل فيه معه ابن عمّة النبيّ أبو سلمة ، وكذلك احتمى
__________________
(١) بتخفيف الهمزة من المأثم ، وهذا من شواهد ما أشتهر عن قريش أنّهم كانوا يخفّفون الهمزة ، همزة الوسط لا الأوّل.
(٢) نبزي أي : ننفي محمّدا عن أنفسنا.
(٣) ابن اسحاق في السيرة٢ : ٨ ـ ١١.