بأعلى مكّة دخل رسول الله شعب الحجون وخطّ لي خطا أمرني أن أجلس فيه قال : لا تخرج منه حتّى أعود إليك. ثمّ انطلق حتّى قام فافتتح القرآن ، فغشيته أسودة كثيرة حتّى حالت بيني وبينه حتّى لم أسمع صوته ، ثمّ طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين حتّى بقي منهم رهط ، وفرغ رسول الله مع الفجر ، فانطلق وقال لي : هل رأيت شيئا؟ قلت : نعم ، رأيت رجالا سودا عليهم ثياب بيض. قال : اولئك جن نصيبين (١).
ولكنه نفسه روى بعد ذلك عن علقمة بن قيس قال : قلت لعبد الله ابن مسعود : من كان منكم مع النبي صلىاللهعليهوآله ليلة الجن؟ فقال : ما كان منا معه أحد ، فقدناه ذات ليلة ونحن بمكّة ، فقلنا اغتيل رسول الله صلىاللهعليهوآله أو استطير! فانطلقنا نطلبه من الشعاب. فلقيناه مقبلا من نحو حراء ، فقلنا : يا رسول الله! أين كنت؟ لقد أشفقنا عليك وقلنا له : بتنا الليلة بشرّ ليلة بات بها قوم حين فقدناك! فقال لنا : إنّه أتاني داعي الجن فذهبت اقرئهم القرآن. ثمّ ذهب بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم. فأمّا أن يكون صحبه منا أحد فلم يصحبه (٢).
ويبدو أن المتعيّن للقبول من هذين الخبرين الأخيرين عن ابن مسعود هو الأخير ، إذ هو المنسجم مع الآية من سورة الأحقاف : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ) : «أتاني داعي الجن» لا الخبر السابق : «إني امرت أن أقرأ على الجن الليلة». فلا داعي للأخذ بما مرّ عن الزهري تفسيرا للآية من الأحقاف ، فيما كان معنى الخبر هو خبر سعيد بن جبير المشتمل على بطن نخلة وقد مرّ عن البخاري ومسلم والواحدي أن خبره عن سورة الجن.
__________________
(١) مجمع البيان ٩ : ١٤٠.
(٢) مجمع البيان ٩ : ١٤٠ و ١٠ : ٥٤٤.