بما لا يقبل الشكّ لصاحب العين البصيرة ، وكان من همومه إزاحة الكدر الذي خيّم على حقوق كثيرة هُدرت لأسباب أشرنا إليها ، أو لأسباب اُخرى تتعلّق باُفق الفقيه المتبحّر في التاريخ إذا أراد دراسته.
وهو في درسه لا يرى مبرّراً للنظر إلى نصوص السيرة بتقديس إلّا إذا قومت تقويماً سليماً ووُزنت بميزان الاعتبار فصحّت بما لا يقبل الشك ، وميزان الاعتبار عنده أن تُعرض على القرآن الكريم ، فما وافق كتاب الله منها قُبل ، وما خالفه رُفض ، وبالاعتماد على القرآن تتحدّد معالم شخصيّة الرسول ، فإذا انسجم النصُّ مع صفاته القرآنية أخذنا به ، وإن كانت الاُخرى رفضناه دون تردّد ، «وإلّا فكيف ننسب إلى هذه الشخصيّة أنه حمل حليلته عائشة على متنه لتشاهد أغاني السودان؟! أو أنّه شرب النبيذ؟! أو أنّه بال قائماً؟! أو أنّه شكّ في نبوّته؟! أو أنّه أثنى على الاوثان تقريباً للمشركين إلى نفسه». وبالاقتداء بالقرآن الكريم «الذي إنما يخاطب أولي الالباب والعقول» يكون الموقف من جميع القضايا التاريخية.
والشيخ في موسوعته يشاكس كتّاب السيرة في مواقف كثيرة ، فهو حينما يقف على رواية يراها تصطدم مع روايات علماء أهل البيت الموثوقة ، أو التسلسل الزماني والمكاني لنزول القرآن لا يغضّ النظر عنها ، وإنما يشبعها بحثاً ومناقشة كي يأخذ بيد قارئه إلى الحقيقة أو يقرّبه منها. وهو أيضاً لا يتعصّب لرواية مهما كان مصدرها إذا شكّ في صحتها ، سواء أكانت من روايات علماء أهل البيت أم من روايات مدرسة أهل الحديث.
إنّه كتاب على الرغم من صفحاته التي تجاوزت في كلِّ جزء الثمانمائة لا يترك لك فرصة كبيرة لتركه ، فكلّما حاولت أخذ بيدك إلى موضوعاته الجديرة بالمراجعة ، بل أنت كلما نظرت في فصل من فصوله معتقداً أنك مطّلع على ما ورد فيه يفاجئك بأشياء كثيرة جديرة بالنظر والمراجعة ، وإذا كنت سأقف معك في هذه العجالة على