وكان أسعد وذكوان وجميع الأوس والخزرج يسمعون من اليهود الّذين كانوا بينهم : النضير وقريظة وقينقاع : أنّ هذا أوان نبيّ يخرج بمكّة يكون مهاجره الى المدينة ، لنقتلنّكم به يا معشر العرب! فلمّا سمع ذلك الكلام من عتبة وقع في قلبه ما كان سمعه من اليهود فقال : أين هو؟ قال : جالس في الحجر ، وإنهم لا يخرجون من شعبهم الّا في الموسم ، فلا تسمع منه ولا تكلمه فانه ساحر يسحرك بكلامه.
فقال له أسعد : فكيف أصنع وأنا معتمر لا بدّ لي أن أطوف بالبيت؟
فقال : ضع في اذنيك القطن.
فدخل أسعد المسجد وقد حشا اذنيه من القطن. فطاف بالبيت ورسول الله صلىاللهعليهوآله جالس في الحجر مع قوم من بني هاشم ، فنظر إليه نظرة فجازه ، فلمّا كان في الشوط الثاني قال في نفسه : ما أجد أجهل منّي! أيكون مثل هذا الحديث بمكّة فلا نعرفه حتّى أرجع الى قومي فاخبرهم؟! ثمّ أخرج القطن من اذنيه ورمى به وقال لرسول الله : أنعم صباحا! فرفع رسول الله رأسه إليه وقال : قد أبدلنا الله به ما هو أحسن من هذا ، تحية أهل الجنة : السلام عليكم. فقال له أسعد : ان عهدك بهذا لقريب. الى ما تدعو يا محمّد؟ قال : الى شهادة أن لا آله الّا الله وأنّي رسول الله ، وأدعوكم الى : (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(١).
__________________
(١) الأنعام : ١٥١ ، ١٥٢.