فكنّا نسمّيه الأمين لصلاحه وسكونه وصدق لهجته ، حتّى اذا بلغ ما بلغ واكرمناه ادّعى أنّه رسول الله وأن أخبار السماء تأتيه ، فسفّه أحلامنا وسبّ آلهتنا وأفسد شبابنا وفرّق جماعتنا ، وزعم أنّه من مات من أسلافنا ففي النار ، فلم يرد علينا شيء أعظم من هذا! وقد رأيت فيه رأيا.
قالوا : وما رأيت؟ قال : رأيت أن ندسّ إليه رجلا منّا ليقتله فان طلبت بنو هاشم بديته أعطيناهم عشر ديات.
فقال الخبيث : هذا رأي خبيث! قالوا : وكيف ذلك؟ قال : لأنّ قاتل محمّد مقتول لا محالة ، فمن ذا الّذي يبذل نفسه للقتل منكم؟ فانه إذا قتل محمّد تعصّب بنو هاشم وحلفاؤهم من خزاعة ، وإنّ بني هاشم لا ترضى أن يمشي قاتل محمّد على الأرض فتقع بينكم الحروب في حرمكم وتتفانوا.
فقال آخر منهم : فعندي رأي آخر. قالوا : وما هو؟ قال : نثبته في بيت ونلقي إليه قوته حتّى يأتي عليه ريب المنون ، فيموت ، كما مات زهير والنابغة وامرؤ القيس.
فقال ابليس : هذا أخبث من الآخر! قالوا : وكيف ذلك؟
قال : لأن بني هاشم لا ترضى بذلك ، فاذا جاء موسم من مواسم العرب استغاثوا بهم واجتمعوا عليكم فأخرجوه.
قال آخر منهم : لا ، ولكنّا نخرجه من بلادنا ونتفرغ لعبادة آلهتنا.
قال ابليس : هذا أخبث من الرأيين المتقدمين! قالوا : وكيف ذلك؟ قال :
لانكم تعمدون الى أصبح الناس وجها وأنطق الناس لسانا وأفصحهم لهجة فتحملونه الى وادي العرب فيخدعهم ويسحرهم بلسانه ، فلا يفجأكم الا وقد ملأها عليكم خيلا ورجلا.
فبقوا حائرين ... ثمّ قالوا لابليس : فما الرأي فيه يا شيخ؟ قال : ما فيه الّا رأي واحد.