أن يقعدا له بمكان ذكره لهما من طريقه الى الغار. ولبث رسول الله بمكانه مع علي عليهالسلام يوصيه ويأمره في ذلك بالصبر حتّى صلّى العشاءين ، ثمّ خرج في فحمة العشاء الآخرة ، والرصد من قريش قد أطافوا بداره ينتظرون أن ينتصف الليل وتنام الأعين ، فخرج وهو يقرأ هذه الآية : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ)(١) وأخذ بيده قبضة من تراب فرمى بها على رءوسهم ، فما شعر القوم به حتّى تجاوزهم ومضى حتّى أتى الى هند وأبي بكر
__________________
وأصبح الرهط الّذين كانوا يرصدون رسول الله فدخلوا الدار ، وقام علي عليهالسلام عن فراشه ، فلمّا دنوا منه عرفوه فقالوا له : أين صاحبك؟ قال : لا أدري أو كنت رقيبا عليه ، أمرتموه بالخروج فخرج ، فانتهروه وضربوه وأخرجوه الى المسجد فحبسوه ساعة ثمّ تركوه.
وجاء الحبس في خبر رواه الرضيّ في «الخصائص» عن علي عليهالسلام قال : كنت على فراش رسول الله وقد طرح عليّ ريطته ، فأقبلت قريش مع كل رجل منهم هراوة فيها شوكها ، فلم يبصروا رسول الله حيث خرج ، فأقبلوا عليّ يضربوني بما في أيديهم حتّى تنفّط جسدي وصار مثل البيض ، ثمّ انطلقوا بي يريدون قتلي ، فقال بعضهم : لا تقتلوه الليلة ، ولكن أخّروه واطلبوا محمّدا. فأوثقوني بالحديد وجعلوني في بيت (قرب البيت الحرام) واستوثقوا مني ومن الباب بقفل فبينا أنا كذلك ، اذ سمعت صوتا من جانب البيت يقول : يا علي! فسكن الوجع الّذي كنت أجده ، وذهب الورم الّذي كان في جسدي ، ثمّ سمعت صوتا آخر يقول : يا علي فاذا الحديد الّذي عليّ قد تقطّع ، ثمّ سمعت صوتا : يا علي ، فاذا الباب قد تساقط ما عليه وفتح. فقمت وخرجت ، وقد كانوا جاءوا بعجوز كمهاء لا تبصر ولا تنام تحرس الباب ، فخرجت عليها وهي لا تعقل من النوم. كما في حلية الأبرار ١ : ٩٧ ، وعن الخرائج في البحار ١٩ : ٧٦. ومن المستبعد جدّا أن يكون أبو بكر قد علم باتّجاه الرسول بالسؤال من علي عليهالسلام في فراش الرسول في حصار المشركين وهم يرمونه ، بل المتّجه ما ذكره القطب الراوندي في الخرائج والجرائح : قال النبيّ لأصحابه : لا يخرج الليلة أحد من داره. كما في البحار ١٩ : ٧٣.
(١) يس : ٩.