ولا يخفى أنّ هذا الاستدلال مبنيّ على حجّية مفهوم الوصف ، وقد ذكرنا عدم حجّية مفهوم الوصف كما تقدّم ، خصوصا الوصف الغير المعتمد على موصوف. وإنّا وإن اخترنا أخيرا حجّية مفهوم الوصف إلّا أنّه بمعنى أنّه يستفاد عدم ثبوت الحكم لطبيعي الموصوف ، فيجوز أن يكون التبيّن ملغيا في بعض أفراد الخبر ، وهو خبر العدل المتعدّد يعني البيّنة ، فلا يستفاد حجّية خبر العادل منها.
الثاني : ما استدلّ به الشيخ الأنصاري قدسسره وتقريره : أنّ في الخبر المذكور في الآية جهتين ، أحدهما ذاتيّة وهي كونه خبر واحد ، والاخرى عرضيّة وهي كون المخبر فاسقا. لو كان التبيّن من جهة كونه خبرا واحدا لا من جهة كون المخبر فاسقا للزم أن يتعرّض للجهة الذاتيّة في الآية ، فترك التعرّض للجهة الذاتيّة والتعرّض للجهة العرضيّة ممّا يكشف عن أنّ جهة التبيّن ووجوبه من جهة كون المخبر فاسقا ، فإنّ قولك مثلا «اغسل هذا الدم لملاقاته النجس» قبيح لترك التعليل بالذاتي إلى العرضي. فإذا انتفت هذه الجهة وكان المخبر عادلا وجب القبول لانتفاء جهة التبيّن (١).
وقد أشكل بعض المحقّقين (٢) على الشيخ الأنصاري بإشكالين :
أحدهما : أنّ الخبر قد يكون خبر واحد وقد يكون متواترا ، فكون الخبر خبر واحد أيضا أمر عرضي فلا يقال : إنّ ترك ذكر الذاتي إلى ذكر العرضي ممّا يكشف عن أنّ جهة التبيّن لأمر العرضي.
والجواب : أنّ الكلام إنّما هو في الخبر الّذي لا يفيد العلم ، إذ لا معنى لوجوب التبيّن فيما أفاد العلم وإن كان المخبر فاسقا بل كافرا ، إذ المتّبع حينئذ العلم الّذي لا يفرّق بين أسبابه ، والمتواتر ممّا يفيد العلم بخلاف خبر الواحد ، فإنّه بذاته لا يفيد
__________________
(١) انظر نهاية الوصول للعلّامة : ٢٩٤ (مخطوط) ، والفرائد ١ : ٢٥٤.
(٢) لم نقف عليه.