العلم إذ أنّه محتمل للصدق والكذب ، فالمتواتر خارج عن محلّ الكلام فيبقى الخبر الّذي لا يفيد العلم وهو الخبر الواحد. وكونه خبر واحد بمعنى كونه محتملا للصدق والكذب ذاتي للخبر الّذي لا يفيد العلم ، إذ ليس المراد من الذاتي في المقام : الذاتي بمعنى الجنس والفصل بل الذاتي في باب البرهان ، وهو ما يكون تصوّره كافيا في حمل المحمول عليه ، نظير ثبوت الإمكان للإنسان فإنّه ذاتي وإن لم يكن ذاتيّا بمعنى أنّه داخل في الذات ، فافهم.
الثاني : أنّ الخبر الواحد وإن سلّمنا كونه وصفا ذاتيّا لكنّا لا نحتمل في الجهة الذاتيّة ـ وهي الجهة الخبريّة ـ وجوب التبيّن وإنّما جهة التبيّن هو مخبر الخبر ، فيحتمل أن تكون جهة التبيّن كون المخبر به فاسقا ، وأن تكون جهة التبيّن كون المخبر به الأعمّ من الفاسق والعادل ، وكلتا الجهتين عرضيّة. فالموضوع للتبيّن ليس ماهيّة الخبر ، بل الخبر بلحاظ راويه وهو الخبر الّذي يكون راويه فاسقا عند من يقول بحجّية خبر الواحد العادل ، والخبر الواحد بكلا إضافتيه ـ يعني سواء كان المخبر عادلا أو فاسقا ـ على رأي من لا يقول بحجّية خبر الواحد مطلقا. وحينئذ فإنّ الجهة الذاتيّة المزعومة في المقام لا يمكن أن تكون علّة لوجوب التبيّن ، لعدم القول بوجوب التبيّن في الخبر لذاته.
والجواب : أنّ ماهيّة الخبر لا تتحقّق إلّا بإخبار مخبر ، فإخبار المخبر مأخوذ في مفهومه وذاتي له. وحينئذ فخصوصيّة الفاسق هي العرضيّة ، وأمّا كلّي المخبر فهي جهة ذاتيّة. وحينئذ فترك تعليق وجوب التبيّن بالجهة الذاتيّة وتعليقه بالجهة العرضيّة دليل دوران الحكم مدارها.
بقي في المقام أنّه لو كان الموضوع لوجوب التبيّن خبر الفاسق لانتفى بانتفائه وإن لم يكن المخبر عادلا ، كخبر الصبيّ والمجنون ومن بلغ ولم يذنب ولم يحصل له ملكة العدالة.