فلا يترك خبر العدل كيف كان وبين من يعتبر الوثاقة فلا يترك الموثّق كيف كان ، فلا بدّ أن يكون المراد به الأوّل ، وحينئذ فلا مفهوم (١).
والجواب أوّلا : أنّ الظاهر أنّ ما زعمه قولا لم يقل أحد به ، هو القول المعروف عندهم ، لأنّ خبر الفاسق إذا أفاد الوثوق فدليل حجّيته حينئذ منطوق الآية ، إذ هو ممّا تبيّن.
__________________
(١) نهاية الأفكار ٣ : ١٠٨. وكتب المقرّر في ورقة ملحوقة بيانا آخر للإشكال الثالث وجوابه. ونصّه ما يلي :
ثمّ إنّه قد يقال بأنّ التبين الوارد في الآية المباركة إمّا أن يراد به خصوص العلم كما هو المناسب للتعليل المذكور في ذيلها ، وحينئذ فلا دلالة لها على حجية خبر العادل لعدم كونه محصلا للعلم بالواقع ، وإما أن يراد به الوثوق فيلزم حينئذ حجية خبر الفاسق إذا أفاد الوثوق حتّى في الموضوعات الخارجية التي هي مورد الآية وهي ارتداد بني المصطلق ، وحيث إنّ الثاني غير ممكن للزوم عدم انطباقها على موردها فيتعين الأول.
والجواب أنّ المراد بالتبين معناه اللغوي وهو الظهور وهو غير متحقق في إخبار الفاسق فلذا ألزم الشارع بتحصيله وموجود في خبر العادل ولذا لم يجب التبين في خبره من حيث الخطأ والنسيان والغفلة لأصالة عدمها.
ثمّ إنّ الأمر بالتبين ليس أمرا نفسيا حتّى يكون تاركه معاقبا لتركه واجبا من الواجبات النفسية ، وليس أمرا شرطيا وإن اخترناه في الدورة السابقة لأنّه لو لم يتبين لا يخرج العمل بخبر الفاسق عن كونه عملا بخبر الفاسق ، بل المراد بالأمر الإرشاد إلى عدم الحجية لخبر الفاسق فيصير المفهوم حينئذ إعطاء الحجية لخبر الواحد العادل إذ كما أن الأمر بالتبين إرشاد إلى عدم الحجية كذلك عدم وجوب التبين في إخبار العادل إرشاد إلى لزوم ترتيب الآثار عليه ، وهذا المفاد وهو الإرشاد إلى الحجية وعدمها هو الظاهر من المتفاهمات العرفية فإنّ قولك إذا أخبرك فلان بخبر فتفحص عنه ظاهر في أن خبره لا يعتمد عليه ، كما أن قولك إذا أخبرك فلان بخبر فلا تتفحص عن صحته ظاهر في أنّ خبره صحيح.