وهذا الجواب الأخير متين جدّا ، وأمّا الجواب الأوّل ففيه أوّلا : أنّ عموم العامّ ليس مفتقرا إلى إجراء مقدّمات الحكمة في المدخول ، بل أنّ العموم مستند إلى أمر وضعي وهو «كلّ» فإنّها بنفسها تبيّن أنّ مدخولها مراد على سعته وشموله ، فإنّ قوله : «أكرم كلّ رجل» مثلا بمثابة أن يقول : اريد إكرام كلّ رجل سواء كان عالما أم جاهلا فقيها أم نحويّا عدلا أم فاسقا ، إلى غير ذلك من العبارات ، وذلك كلّه مستفاد من لفظة «كلّ» بوضعها. وحينئذ فقد ظهر أنّ عموم العامّ بالوضع واستفادة المفهوم إنّما هي بمقدّمات الحكمة ليستفاد انحصار الشرط في المذكور ، ومن جملة مقدّمات الحكمة عدم البيان ، والعموم يصلح أن يكون بيانا ، فلا يحرز حينئذ عدم البيان مع وجود العموم كما هو المفروض.
وثانيا : أنّه على تقدير كون العموم مستندا إلى أمر وضعي وأمر بمقدّمات الحكمة فالمفهوم أيضا كذلك ، فأيّ موجب يقتضي تقدّم أحدهما على الآخر مع تساويهما.
وثالثا : أنّه وإن كان عموم التعليل لا يثبت عدلا للشرط بعنوان أنّه عدل إلّا أنّه بالملازمة يكشف عن وجود شرط ثان ، مثلا في قولنا : «إن كان هذا رمّانا فلا تأكله لأنّ كلّ حامض مضعف» يقتضي أنّه إن كان هذا رمّانا أو كان شيئا آخر حامضا غير الرمّان فلا تأكله ، فلا يدلّ على المفهوم لعدم الانحصار ، فافهم.
الثالث ممّا أورد على آية النبأ : ما ذكره بعضهم ، وتقريره : هو أنّ التبيّن إمّا أن يراد به في منطوق الآية العلم ، وحينئذ فلا يكون الأمر مولويّا لأنّ اتّباع العلم حكم عقلي ، فلو أمر به الشارع لا يكون أمره إلّا أمرا إرشاديّا ، وإذا كان الأمر إرشاديّا فلا حكم في منطوق الآية حتّى يحكم بنفيه في مفهومها.
وإن كان المراد من التبيّن الوثوق فهو يقتضي حجّية خبر الواحد الفاسق إذا أفاد الوثوق بأن عمل به المشهور مثلا ، وعدم حجّية خبر العادل إذا لم يفد الوثوق بأن أعرض عنه المشهور ، مع أنّ هذا القول إحداث قول ثالث لم يقل به أحد من العلماء لأدائه إلى المناقضة في الآية بين المنطوق والمفهوم ، ولأنّهم بين من يعتبر العدالة