الثاني من الجوابين وقد ذكره في هذا المورد بخصوصه وهو مفهوم آية النبأ (١) وتوضيحه : أنّ العموم موقوف على عدم المفهوم فكيف يعقل أن يكون عدم المفهوم مستندا إلى العموم المعلول له وهل يكون المعلول مانعا عن علّته؟ وهذا من خصوصيّات المورد ممّا يكون المفهوم حاكما على العلّة ومخرجا لنفسه عن أفرادها تعبّدا. وبالجملة أنّ عموم التعليل في الآية الشريفة لا يصلح أن يكون قرينة على عدم المفهوم ؛ وذلك لأنّ العموم إنّما يدلّ على أنّ إصابة القوم بغير علم يوجب الندم ، وحينئذ فهذا الحكم قد اخذ بنحو القضيّة الحقيقيّة وهو لا يتكفّل لوجود الموضوع وعدمه ، فلا يصلح لبيان أنّ خبر العدل من جملة أفراد التعليل. فإذا فرض أنّ الآية بنفسه دالّة على المفهوم لو لا معارضة العموم فيكون خبر العادل حاكما على العموم ورافعا لموضوع عدم العلم ، ومعارضة العموم أيضا مفقودة في المقام ، لأنّ العلّة لا يعقل أن تكون محقّقة للموضوع الّتي تبيّن حكمه.
وبعبارة اخرى لا معارضة بين المفهوم في المقام وعموم التعليل ، لأنّ المفهوم بناء على حجّيته يكون حاكما على العلّة ومخرجا لنفسه عن كونه عدم علم بل يكون علما ، ولا يعارضه عموم التعليل بل لا يصلح لمعارضته ، لأنّ هذا العموم يستحيل أن يحقّق له موضوعا بنفس هذا الجعل فيستحيل ان يكون مانعا عن ظهورها في المفهوم.
وبهذا ظهر أنّ إيراد بعض المحقّقين بأنّ ثبوت المفهوم موقوف على عدم العموم فعدم العموم لو توقّف على حجّية المفهوم لزم الدور (٢) في غير محلّه ، فإنّ ثبوت المفهوم ليس موقوفا على عدم العموم كلّية بل على عدم عموم يكون مزاحما ، وليس ثبوت العموم في المقام مزاحما ، لما ذكرنا من عدم إمكان شموله لإخبار العادل ، فافهم.
__________________
(١) انظر أجود التقريرات ٣ : ١٨٤ ـ ١٨٥.
(٢) نهاية الدراية ٣ : ٢١٢.