(ويمكن أن يقال : إنّ التبيّن هو طلب الظهور ، والمراد به هنا ظهور صدق الخبر الغير المتحقّق قطعا باستناد المشهور إليه وإن أفاد الوثوق بصدوره إلّا أنّ الوثوق لا يخرجه عن كونه ظنّا. والاستدلال بالسيرة على الأخذ بما يفيد الوثوق خروج عن الاستدلال بالآية. ومنه يظهر حال القسمين الأخيرين أيضا) (١).
وأمّا الموثّق وهو من لا يكون راويه عدلا إماميّا بل كان من بقيّة المذاهب الفاسدة ولكنّه موثّق في نقله ، والحسن وهو من يكون راويه إماميّا إلّا أنّه غير معروف بعدالة ولا فسق ، فيمكن إدراجهما في المفهوم تارة ، وفي المنطوق اخرى.
أمّا إدراجهما في المفهوم فبأن يقال : إنّ المراد بالفاسق في المنطوق هو الفاسق بالكذب بمناسبة الحكم والموضوع ، لأنّ الفسق بغيره لا معنى لتعليق التبيّن عليه ، وحينئذ فالمفهوم يكون «إن لم يجئكم فاسق بالكذب بالنبإ فلا يجب التبيّن» وهو شامل لرواية الموثّق والحسن لأنّ فسقهما على تقديره ليس في الكذب بل في أمر آخر لا دخل لخبره فيه أصلا.
وهذا الوجه وإن كان لا بأس به في الجملة ولكنّه لا يمكن الاعتماد عليه ، لإمكان أن يقال : إنّه وإن كان متحرّزا عن الكذب لكن عدم كذبه ليس ناشئا عن ملكة فربّما تكون بقيّة ما يرتكبه من المعاصي توقعه في الكذب ، نعم من كان عدم كذبه لملكته لا يمكن في حقّه مع فرض عدالته الكذب أصلا.
وأمّا إدراجهما في المنطوق فبأن يقال : إنّ التبيّن المأمور به في المنطوق التبيّن عن صدق الخبر وكذبه ، ولكنّ التبيّن عن صدق الخبر وكذبه تارة يكون بأن يتبيّن عن نفس الخبر فينظر إلى عمل المشهور به فيكون تبيّنا ، واخرى بأن يتبيّن عن راويه ويسأل حال الرجال عنه فإذا أجابوا بأنّه موثّق مثلا غير معروف بالكذب فيكون هذا نوع تبيّن أيضا ، خصوصا وقد ورد الأمر بالأخذ منهم مثل ما ورد في بني فضّال
__________________
(١) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.