والإنصاف أنّ دلالة هذه الآية على حجّية خبر الواحد أظهر من دلالة آية النبأ ، لكثرة ما اورد على آية النبأ من الإيرادات المهمّة. غاية ما هناك أنّها تدلّ على حجّية خبر الواحد مطلقا ، فما دلّ على اعتبار العدالة في الراوي يقيّدها فافهم. ولم يكن منتظرا من مثل الشيخ الأنصاري قدسسره (١) أن يجعل دلالتها على الحجّية بمقدار من الضعف أن يستشهد لها بكلام البهائي في استدلاله ومنظّرا لدلالتها على المطلوب بدلالة حديث : «من حفظ على امّتي أربعين حديثا» (٢).
وكيف كان فما ذكر في ردّ الاستدلال بها وجوه :
الأوّل : أنّ هذه الآية إنّما سيقت لوجوب النفر للتفقّه والإنذار بعد رجوع النافرين عسى أن يحذر السامعون ، فهي لبيان وجوب النفر ، وليس فيها إطلاق لقبول خبر النافر حتّى يشمل صورة عدم حصول العلم ، فلا ينهض مقيّدا أو مخصّصا لما دلّ على عدم حجّية غير العلم فلا إطلاق له ، فلا بدّ من تقيّده بما دلّ على عدم حجّية المظنّة ، والقدر المتيقّن منه بعد عدم الإطلاق هو صورة إفادته العلم ، وحينئذ فالعلم متّبع ، فلا دلالة فيه على حجّية الخبر الواحد ، نظير قوله : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ)(٣) فإنّها إنّما سيقت لبيان حلّية الأكل وعدم الإلزام بالتذكية بعد الإمساك ، فلا دلالة فيها على عدم لزوم تطهير محلّ القطع الّذي هو محلّ فم الكلب.
والجواب : أنّ تقييد الآية بصورة حصول العلم غير معقول ، وذلك لأنّ حجّية خبر المخبر حينئذ لإفادة العلم لا لأمر آخر ، مع أنّ ظاهر الآية أنّ ترتيب الحذر إنّما علّق على إخبار النافرين ، والحجّية عند إفادة العلم لا تختصّ بالنافرين المتفقّهين الراجعين إلى قومهم ، فالتقييد في المقام يوجب بطلان تعليق العنوان
__________________
(١) الفرائد ١ : ٢٨٦.
(٢) الأربعون حديثا (للبهائي) : ٧١.
(٣) المائدة : ٤.