يثبت المانع ، ولا يكفي في جواز العمل بالسيرة عدم ثبوت الردع بل لا بدّ من ثبوت عدم الردع الّذي هو بمعنى الإمضاء ، فافهم وتأمّل فإنّه دقيق وبالتأمّل حقيق. فظهر إمكان كون هذه الآيات رادعة وعدم إجداء الوجه الأوّل لإثبات الاستحالة.
الوجه الثاني : من الوجوه الّتي ذكرها الآخوند قدسسره (١) أنّا لو سلّمنا إمكان كون هذه الآيات رادعة عن السيرة وإمكان تخصيصها للعموم أيضا فهما في عرض واحد ، فلو تعارضا يتساقطان ويكون المرجع هو استصحاب الحجّية الثابتة قبل الردع بهذه الآيات.
الوجه الثالث (٢) : أنّه لا حاجة إلى الاستصحاب أيضا ، لأنّ المقام من قبيل الخاصّ المتقدّم إذا تعقّبه عموم يمكن أن يكون ناسخا له وأن يكون مخصّصا ، فلا إشكال في أنّ تقديم ذات البيان ممكن وإن كان صفة بيانيّته بعد ورود العموم متحقّقه ، وحينئذ فيكون مخصّصا لذلك العموم لكثرة التخصيص وندرة النسخ.
والجواب : أنّ هذين الوجهين تامّان لو ثبت إمضاء الشارع للسيرة العقلائيّة قبل ورود الردع بهذه الآيات الناهية ، فالاستصحاب حينئذ ممكن وكون الخاصّ بيانا للعامّ ممكن ، وإلّا فلو لم يثبت الإمضاء فأيّ شيء يستصحب؟ وهل هناك إلّا السيرة العقلائيّة المتحقّقة بعد الردع أيضا ، فلا حاجة إلى استصحابها ، ولا حجّية شرعيّة حتّى تستصحب ، وكذا لا خاصّ شرعا حتّى يكون بيانا للعموم المتأخّر عنه. وبالجملة فحيث يمكن أن يكون زمن نزول هذه الآيات هو أوّل زمان يمكن فيه الردع عن السيرة ، وحينئذ فلا مجال للاستصحاب ولا للبيان لعدم ثبوت حجّيتها شرعا ولو آناً ما حتّى تستصحب أو تكون بيانا للعموم المتأخّر. وبالجملة فهذه الوجوه الثلاثة لم تنفع لدفع احتمال رادعية هذه الآيات عن السيرة على العمل بأخبار الآحاد.
__________________
(١ و ٢) انظر درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : ١٩٤ ـ ٢١٥.