وإنّما الكلام أنّ العلم الإجمالي الثاني هل ينحلّ بالعلم الإجمالي الثالث أم لا؟ فإن لم ينحلّ ثبت إيراد الشيخ قدسسره وإن انحلّ فلا ، فنقول : إنّ المقدار المقطوع به في الأخبار الصحيحة جملة منه تفيد الأحكام الّتي هي على طبق الشهرات والإجماعات المنقولة ، وحينئذ فلا فائدة في الإجماعات المنقولة والشهرات حيث تكون الأخبار موافقة لها ، وبقيّة الأخبار الصحيحة الموجودة فيما بأيدينا بعد عزلها لا يبقى لنا علم إجمالي ببقاء تكليف إلزامي في غيرها أصلا ، فتكون التكاليف في غيرها تكاليف بدويّة الشكّ فتنفى بالبراءة ، وحينئذ فالعلم الإجمالي الثاني أيضا منحلّ قطعا بالثالث ، فلا يبقى حينئذ إيراد الشيخ واردا بل إنّا نعلم إجمالا بوجود تكاليف في ضمن الأخبار ولا علم لنا بوجودها في ضمن بقيّة الأمارات. فمرجع العلم الإجمالي الأوّل إلى العلم الإجمالي الثاني لأنّه ينحلّ به ، كما أنّ مرجع العلم الإجمالي الثاني ـ وهو وجود جملة من التكاليف في ضمن الأمارات وغيرها ـ ينحلّ إلى العلم الإجمالي الثالث فإيراد الشيخ الأنصاري حينئذ غير وارد أصلا.
إنّما الكلام في أنّ هذا العلم الإجمالي بوجود أخبار صادرة في ضمن هذه الأخبار من الأئمّة ـ سلام الله عليهم ـ هل يترتّب عليه النتيجة وهي حجّية خبر الواحد أم لا؟
فنقول : إنّ الحجّية المبحوث عنها هو بمعنى ترتيب آثار الواقع عليها حتّى كان الخبر الواحد قطع في لزوم ترتيب آثاره ، غاية الأمر أنّه قطع تعبّدي لا وجداني ، فيرفع اليد بواسطته عن الاصول العمليّة أو عن عموم أو إطلاق الاصول اللفظيّة لو كان على خلافها.
فالكلام أوّلا يقع فيما كان الخبر على خلاف الأصل العملي فنقول : إنّ الخبر الوارد في موارد الاصول العمليّة يكون تارة مثبتا للتكليف ، واخرى يكون نافيا.
فإن كان مثبتا للتكليف فتارة يكون الأصل العملي أيضا مثبتا للتكليف كاستصحاب التكليف أو قاعدة الاشتغال ، كما إذا دلّ الخبر على وجوب صلاة