والجواب : أنّ هذا الدليل بعينه الدليل المتقدّم غير أنّ هذا أضيق من ذاك ، إذ أطراف ذاك هو جميع الأخبار ومورد هذا خصوص الأخبار الواردة فيما ذكره من الصلاة والصيام ، فيرد عليه ما اورد على الوجه الأوّل من أنّ مقتضى هذا هو لزوم العمل بخصوص الأخبار المثبتة لأجزاء ما ذكر وشرائطها والمدّعى حجّية عموم الأخبار ، والدليل لا يدلّ على حجّية الأخبار النافية الّتي ورد على خلافها عموم أو إطلاق أو أصل عملي.
وقد أورد الشيخ الأنصاري (١) عليه بأنّ لازم ذلك هو العمل بكلّ خبر دلّ على الجزئيّة أو الشرطيّة احتياطا إن أمكن وإلّا فخصوص المظنون من جميعها لا خصوص الأخبار المشروطة بما ذكره من كونها موجودة في كتب الشيعة معمولا بها ، لأنّ العلم الإجمالي حاصل بالنسبة إلى جميعها.
ولا يخفى أنّ كون علم الشيخ الأنصاري لا ينحلّ إلّا بالاحتياط في جميع الأخبار المشتملة على الشرائط وغيرها لا يصلح أن يكون ردّا على صاحب الوافية ، إذ لعلّ علمه ينحلّ بالعمل بالأخبار المشتملة على الشرائط الّتي ذكرها كما هو غير بعيد ، فالعمدة في الجواب هو الجواب الأوّل.
الثالث من الأدلّة العقليّة ما ذكره صاحب الحاشية (٢) وهو أنّا نعلم علما قطعيّا بلزوم الرجوع إلى السنّة إمّا لحديث الثقلين أو لغيره فيجب علينا التمسّك بها ، فإذا ميّزناها قطعا عملنا بها وإلّا فالمرجع هو الظنّ بها.
والجواب أنّه ما المراد من السنّة الّتي زعم إلزامنا بالعمل بها؟ فإن أراد من السنّة الأقوال الحاكية لقول المعصوم أو فعله أو تقريره فأيّ دليل دلّ على لزوم متابعة هذه الأخبار المحتملة للصدق والكذب؟ إذ ليس لزوم الرجوع إليها أمرا بديهيّا ،
__________________
(١) فرائد الاصول ١ : ٣٦١.
(٢) هداية المسترشدين ٣ : ٣٧٣ ـ ٣٧٤.