الخامس : أنّ حديث الرفع لا إشكال في شموله للشبهة الموضوعيّة باعتراف الجميع (١) فلو كان مع ذلك شاملا للشبهة الحكميّة لزم استعمال لفظة (ما) في معنيين (الموضوع) و (الحكم) وهو باطل أو خلاف الظاهر.
والجواب أوّلا : أنّ لفظة (ما) مستعملة في الشيء الشامل بحسب وضعه اللغوي للحكم والموضوع ، فلا يكون إرادة الموضوع والحكم منه إرادة لمعنيين ، بل لمعنى واحد وهو الشيء ، غاية الأمر أنّ انطباقه تارة يكون على الموضوع واخرى على الحكم.
وثانيا : لو سلمنا أنّ (ما) تستعمل في معنيين لو اريد بها الشبهة الموضوعيّة والحكميّة فليكن المرفوع في الموردين الحكم فيكون معنى «رفع ما لا يعلمون» أي الحكم الّذي لا يعلمون ، غاية الأمر أنّ سبب عدم العلم تارة يكون عدم النصّ أو إجماله أو تعارضه ، واخرى يكون الاشتباه في الأشياء الخارجيّة ، فلا يكون شمول الحديث للشبهة الموضوعيّة والحكميّة موجبا لاستعمال (ما) في معنيين ، بل تستعمل في الحكم ، فافهم.
فظهر ممّا ذكرنا أنّ حديث الرفع رافع للحكم المجهول في ظرف جهله وليس مختصّا بالشبهات الموضوعيّة كما ذكر ، فيكون حينئذ معارضا لما دلّ على الاحتياط للحكم في ظرف جهله والشكّ فيه.
لا يقال : إنّ حديث الرفع يرفع ما لا يعلم من الأحكام ، ووجوب الاحتياط بناء على استفادته من الأدلّة الدالّة على الاحتياط يكون معلوما وخارجا ممّا لم يعلم.
فإنّه يقال : نعم ، لو كان الاحتياط واجبا لنفسه ، أمّا لو كان وجوبه من جهة إدراك الحكم المجهول فيكون وجوبه طريقيّا فيستفاد منه لزوم الامتثال للحكم المجهول ، وحديث الرفع يرفع اللزوم ، فيقع حينئذ بينهما التعارض.
__________________
(١) أجود التقريرات ٣ : ٣٠٠ ـ ٣٠١ ، كفاية الاصول : ٣٨٧ ، فرائد الاصول ٢ : ٢٨.