وبعبارة اخرى يلزم أن تكون الشبهة محرزة بالوجدان مع قطع النظر عن هذه الرواية فتكون هذه الرواية مبيّنة لحكمها. ومع الأدلّة الشرعيّة والعقليّة الّتي أقمناها على البراءة لا يكون هناك احتمال شبهة أصلا ، فلا بدّ من اختصاصها بالشبهة قبل الفحص أو بالشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي بناء على تنجيزه ، فإنّ الشبهة هناك محقّقة قبل هذه الأخبار ، بقرينة أنّ مورد جملة منها الشبهة قبل الفحص ، مع أنّ عمومها شامل للشبهة الموضوعيّة والحكميّة الوجوبيّة الّتي قد أجمعتم وذهب مشهوركم إلى عدم التوقّف فيها فلا بدّ حينئذ من التخصيص ، ومعلوم أنّ لسان هذه الأخبار لسان آب عن التخصيص.
فلا بدّ من حمل هذه الأخبار على الشبهة قبل الفحص أو المقرونة بالعلم الإجمالي حتّى لا يلزم التخصيص أو يقال بأنّ الأمر فيها أمر إرشادي لا مولوي بقرينة التعليل المذكور ، إذ لا يترتّب على الاقتحام غير ما يترتّب على الواقع. فكأنّه يقول : الوقوف عند الشبهة خير من الوقوع في الشبهة المحتملة أحيانا ، فمعلوم أنّ الأمر إرشادي. كما لا يمكن أن تكون هذه الأخبار نظير الأخبار الواردة في مثل قوله : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ)(١) ممّا هو بيان للحكم بلسان العقاب عليه ، إذ لا يترتّب العقاب مع فرض إباحة الفعل ، فبدلالته الالتزاميّة نستكشف الحرمة ، وذلك لأنّ تلك صريحة في كون العقاب على نفس الحكم المذكور ، بخلاف المقام في أخبار الاحتياط فإنّها صريحة في كون العقاب على الواقع ، مع أنّ قوله : «خير من الاقتحام في الهلكة» لسانه ليس لسان العقاب كالآية وأشباهها.
ولا ينبغي أن يتوهّم فيقال : إنّ أدلّة التوقّف بعمومها وإطلاق الوقوف فيها تكون كاشفة عن أنّ التكاليف المجعولة الواقعيّة لا يرفع الشارع يده عنها بمجرّد عدم وصولها ، فيستكشف بذلك وجوب الاحتياط.
__________________
(١) النساء : ٩٣.