بالتحريم فعليّا في حقّه ، لأنّ القدرة شرط فعليّة التكليف ومن مبادئها الالتفات ، نظير عدم إمكان خطاب الناسي ، فافهم.
وإمّا أن يحكم بحرمة مقطوع الحرمة مطلقا ، صادف الواقع أم لم يصادفه. وهذا أيضا غير ممكن لاستلزامه التسلسل ، وذلك لأنّ الإتيان بمقطوع الحرمة يكون عصيانا للنهي عن ارتكاب مقطوع الخمريّة ، فالحاكم بقبح هذا العصيان إن كان العقل فهو المدّعى ، وإن كان الشرع فيلزم نهي آخر وإليه ينقل عين الكلام. (وهذا هو التسلسل الباطل في نفسه ، مضافا إلى استلزامه عدم اختلاف المعاصي صغرا وكبرا ، لأنّ الأمرين الغير المتناهيين لا يختلفان من حيث العدد والكيفيّة كما برهن عليه في محلّه) (١).
فقد ظهر أنّ التجرّي قبيح عقلا ، غير محكوم بالحرمة شرعا ، لكن لا يخفى أنّ نفي الحرمة الشرعيّة لا توجب نفي العقاب ، لأنّ العقاب إنّما يكون بحكم العقل والعقل لا يفرّق في العقاب بين العاصي والمتجرّي ، لأنّ كلّا منهما في مقام التعدّي على المولى وعدم توفيته حقوقه وظلمه وهتكه بمعنى عدم الجريان على قانون العبوديّة.
وبالجملة ، فالعاصي والمتجرّي يستحقّان العقاب على أعمالهما الاختياريّة وهي كونهما بصدد الطغيان ، ومصادفة الواقع وعدمها أمران خارجان عن أفعالهما الاختياريّة فلا معنى لتعليق العقاب عليها أصلا ، فافهم.
(نعم ، يمكن أن يفرّق بين العاصي والمتجرّي بأمرين :
أحدهما : مقدار العقاب الاخروي المعدّ لشارب الخمر مثلا متعمّدا ، كما ورد أنّه لا يشرب من الكوثر وإن تاب (٢) فمثل هذا لا يترتّب في حقّ المتجرّي لعدم شربه الخمر.
__________________
(١) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.
(٢) لم نعثر عليه بعينه وإن ورد مضمونه في الوسائل ٢٥ : ٣٢٧ ، الباب ١٥ من أبواب الأشربة المحرّمة ، الحديث ١١ و ١٤.