شكّ في مصداق خارجي أنّه فرد من أفراد المنهيّ عنه أم لا ، فالشكّ في الحقيقة يكون شكّا في توجّه النهي إليه وعدمه لأنّ النهي إنّما يتوجّه نحو عنوان الخمر ، فإذا شكّ في العنوان شكّ في توجّه الأمر فيكون الشكّ شكّا في التكليف ، فتجرى البراءة ولا يكون من قبيل الشكّ في المحصّل أصلا.
وقد أجاب الآخوند قدسسره (١) في كفايته بأنّ النهي تارة يكون طلبا لترك مجموع الأفراد بحيث لو وجد فرد واحد لما امتثل أصلا ، ففي مثله لا تجري البراءة في الفرد المشكوك فلا يجوز له تناوله إلّا إذا كان هناك استصحاب الترك محكّما ، فإنّه حينئذ يسوغ له فعله اعتمادا على الاستصحاب. وتارة يكون النهي متوجّها نحو الأفراد بحيث كأنّ النهي نهي عن كلّ فرد بنهي مستقلّ ، بحيث لو فعل أحد الأفراد المنهيّ عنها يعاقب بعقاب ، ولو فعل فردين يعاقب بعقابين ، ففي مثل هذا إذا شكّ في فرد من الأفراد أنّه فرد لذلك المنهيّ عنه أم لا يكون الشكّ شكّا في التكليف فتجري البراءة فما ذكره المحقق الخونساري لا يتمّ على إطلاقه.
والتحقيق أن يقال : إنّ النهي تارة يكون نهيا حقيقيّا إذا كان ناشئا عن مفسدة في فعل المنهيّ عنه ، واخرى يكون النهي نهيا غير حقيقي وهو إذا كان ناشئا عن مصلحة في الترك فيكون النهي طلبا للترك.
فإذا كان النهي نهيا حقيقيّا فتارة تكون المفسدة في إيجاد الطبيعة بكلّ فرد فرد بنحو انحلال النهي إلى كلّ فرد فرد من أفراد الطبيعة بنحو يكون لكلّ فرد امتثال وعصيان ، وفي مثله لا إشكال في جريان البراءة في الفرد المشكوك ، إذ العقاب بلا بيان قبيح ومعلوم تحقّقه في المقام ، فإنّ المراد من البيان ليس هو معرفة الكبرى فقط بل وبيان الصغرى ، والمفروض انتقاؤه.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٤٠٢.