ولكن هذا الوجه لا تساعده الأدلّة ، إذ ظاهرها النهي ـ كما ذكرنا ـ لا الأمر بعنوان بسيط ، فيدور الأمر بين الوجوه الثلاثة المتقدّمة.
والظاهر منها هو الوجه الأوّل ، إذ الحكم قد اخذ بنحو القضايا الحقيقيّة ، فالظاهر أنّه كلّما وجد فرد من أجزاء ما لا يؤكل لحمه يتوجّه إليه نهي ، وحينئذ فلو شكّ في فرد أنّه من أفراد ما لا يؤكل لحمه أم لا يشكّ في توجّه النهي إليه فيكون مجرى للبراءة. والظاهر أنّ هذا الوجه قد استظهره جميع الفقهاء لا الوجهين الآخرين ، لحكمهم بأنّ من اضطرّ إلى لبس غير المأكول من أجزاء الحيوان في الصلاة يقتصر على خصوص ما اضطرّ إليه ، فلو اضطرّ إلى ثوب واحد ليس له أن يلبس ثوبين ، وهكذا.
وهذا إنّما يتمّ إذا قلنا بكون النهي عن كلّ فرد بنحو العامّ الاستغراقي ، وأمّا إذا قلنا بأنّ النهي نهي عن الطبيعة ـ كما هو مقتضى الوجه الثاني ـ أو عن مجموع الأفراد كما هو الوجه الثالث لم يكن لحكمهم بوجوب الاقتصار على خصوص الفرد المضطرّ إليه معنى ، إذ لا دليل حينئذ على النهي عن الفرد الثاني من أفراد غير المأكول.
ثمّ إنّا لو قلنا بالوجه الثاني والثالث لقلنا بصحّة الصلاة في اللباس المشكوك أيضا ، غاية ما هناك أنّه يكون أقلّ وأكثر في أقلّ وأكثر ، إذ المانع تردّد بين الأقلّ والأكثر والصلاة أيضا تردّدت بين الأقلّ والأكثر. وحينئذ فالنهي إنّما توجّه نحو مجموع أفراد غير المأكول ، ولم يعلم أنّ هذا المشكوك من أفراده أو عن إيجاد الصلاة في هذه الطبيعة الخاصّة ، ولم يعلم أنّ الصلاة بهذا اللباس صلاة بهذه الطبيعة أم لا ، فيجوز حينئذ الصلاة بذلك اللباس المشكوك ، فافهم.
ثمّ إنّا لو تنزّلنا عن جريان البراءة في المقام فهل يمكن جريان الاستصحاب أم لا؟ فنقول : إنّ المانع عن صحّة الصلاة هل هو لبس المصلّي لجلد غير المأكول بحيث يكون المانع عن صحّة الصلاة وصفا للمصلّي؟
أو أنّ المانع عن صحّة الصلاة وصف للّباس نفسه بحيث إنّ شرط صحّة الصلاة عدم اتّصاف اللباس بأنّه من غير المأكول فيكون المانع حينئذ وصفا للّباس؟
أو أنّ المانع عن صحّة الصلاة اتّصاف الصلاة بمقارنتها مع لباس غير المأكول؟