لا تجري أدلة البراءة ، لأنها وإن لم تقدر على الموافقة القطعية إلّا أنها قادرة على المخالفة القطعية ، إذ تستطيع أن تأتي بالصلاة لا بقصد القربة فتكون مخالفة قطعا ، لأنها إن كانت طاهرة فقد خالفت ، لأنّ المطلوب منها الصلاة بقصد القربة ، وإن كانت حائضا فقد خالفت أيضا ، لأنها أتت بالمحرّم فالعلم الإجمالي يكون منجزا بالنسبة إلى ما يمكن وهو المخالفة القطعية فيحرم ، ولا تجري حينئذ أدلة البراءة بالنسبة إليه أيضا ، إذ العلم بحرمة المخالفة القطعية حاصل وكذا البيان تام.
نعم ، الموافقة القطعيّة حيث إنّها غير ممكنة فيتنزّل إلى الموافقة الاحتماليّة ، وليعلم أنّ الموافقة الاحتماليّة بالنسبة إلى فعل الصلاة إنّما يكون إذا أتت بها رجاء الأمر بها لا بقصد الأمر الجزمي ، فإنّ قصد الأمر الجزمي بها قطعا تشريع محرّم فلا يكون الموافقة الاحتماليّة حاصلة به قطعا ، بل المخالفة القطعيّة حينئذ حاصلة به إذ التشريع إسناد ما لم يعلم أنّه من الله إليه ، فافهم وتأمّل.
وقد ذكر الشيخ الأنصاري قدسسره من أمثلة دوران الأمر بين المحذورين حيث يكونان تعبّديين أو أحدهما ما إذا تردّد شيء بين كونه شرطا للصلاة أو مانعا لها ، مثل ما لو تردّد المكلّف بين وجوب القصر عليه فالسلام على الركعتين شرط لها والقيام للركعتين الاخريين أيضا مانع لها وبين وجوب الإتمام عليه فالسلام مانع وكذا القيام للركعتين الاخريين أيضا شرط فنفى قدسسره البعد عن الحكم بالتخيير (١).
والظاهر أنّ ما ذكره من دوران الأمر بين شرطيّة شيء ومانعيّته للصلاة مختلف ، ففي مثل ما لو كان المكلّف مشغولا بصوم واجب معيّن وتردّد الارتماس مثلا بين كونه شرطا لصحّة صومه لكونه جنبا وبين كونه مانعا ؛ لأنّ الارتماس مبطل له ففي مثله يتمّ ما ذكره قدسسره لأنّ الموافقة القطعيّة كالمخالفة القطعيّة لا تمكن ، فلا بدّ من الحكم
__________________
(١) انظر فرائد الاصول ٢ : ١٧٨ ـ ١٩٠.