(وهذان القسمان من الدفعيّين ، إذ التكليف فيهما دفعي وتأخير أحدهما عن الآخر إنّما هو باختيار المكلّف ، فترخيص الشارع فيهما محال ، لأنّه ترخيص في المعصية) (١).
وإن كان التأخير لخصوصيّة فهو على قسمين أيضا : إذ تارة يكون التأخير لوجود المانع الآن ، واخرى لعدم المقتضي الآن ، فالأوّل نظير المريض المحتاج لشرب الدواء المردّد بين كون دوائه شيئا يشرب الآن ليلا أو يشرب عند طلوع الشمس ، فإنّ المقتضي وهو المرض موجود لكنّ المانع كشغل المعدة هو الّذي أوجب التأخير.
ومثاله الواقعي الواقع في الشريعة هو أنّه يعلم بنذر متعلّق إمّا بصوم غد أو بصوم يوم الجمعة الآتي ، فإنّ الوجوب بالنذر قد تحقّق بناء على إمكان الواجب التعليقي ـ كما هو الحقّ ـ فالملاك وهو تحقّق المصلحة بالإتيان متحقّق إمّا للصوم غدا أو للصوم يوم الجمعة ، لكنّ الملاك متحقّق قطعا. ومثل هذا أيضا لا إشكال في تساقط الاصول في أطرافه ، لأنّ المصلحة الملزمة لا يسوّغ للمولى الترخيص في تركها ، فلا تجري الاصول لتعارضها فينجّز ويؤثّر أثره.
وإن كان التأخير لعدم المقتضي كالحائض التي تعلم بأنّها تحيض في الشهر ثلاثة أيّام ولاستمرار الدم بها لا تميّز أيامها ، فإنّ خطاب الحائض بترك الصلاة إنّما يحدث ملاكه عند حدوث حيضها ، وقد جزم الشيخ الأنصاري قدسسره (٢) بإجراء الاصول لها في كلّ يوم يوم من أيام الشهر وترتّب أحكامها حتّى تنتهي إلى ما لا يمكن جريان استصحاب الطهارة فيه وهو الثلاثة الأيام الأخيرة من الشهر ، فعند ما تدخل أوّل ساعة من ساعات الأيام الثلاثة تعلم قطعا أنّها إمّا الآن حائض أو كانت حائضا ،
__________________
(١) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.
(٢) فرائد الاصول ٢ : ٢٤٩.