بأن لا يجلس في ذلك الوقت الخاصّ في كلّ منهما ، ولكنّ الموافقة الاحتماليّة ممكنة لكون الجلوس في أحدهما ممكنا ، ولا يمكن الموافقة قطعا لاستحالة أن يجلس الإنسان الواحد في مكانين متباينين دفعة ، وقد تقدّم فيه حرمة المخالفة القطعيّة وإن لم تجب الموافقة القطعيّة أيضا.
وإمّا أن تكون الموافقة القطعيّة ممكنة لكنّ المخالفة القطعيّة ليست بممكنة ، كما إذا علم أنّه نذر إمّا ترك الجلوس في مكان خاصّ كزاوية المسجد الشرقيّة أو ترك الجلوس في زاوية المسجد الغربيّة ، فهنا المخالفة القطعيّة غير ممكنة لاستحالة كون شخص واحد يجلس في مكانين متباينين في وقت خاصّ ، ولكنّه يمكن الموافقة القطعيّة بأن يترك الجلوس في كلّ منهما ، ولا ريب في تنجيز العلم الإجمالي ووجوب الموافقة القطعيّة وإن لم تحرم المخالفة القطعيّة لعدم إمكانها حتّى يزجر عنها.
ومن هنا ظهر أنّ وجوب الموافقة قطعا لا يدور مدار حرمة المخالفة القطعيّة فإنّ المقام من مقامات الانفكاك. نعم ، لو كانت حرمة المخالفة القطعيّة منفيّة لعدم المقتضي لها فالدوران حينئذ مسلّم.
وبالجملة ، فقد ظهر أنّ المناط في حرمة المخالفة القطعيّة هو العلم الإجمالي بالحرام ، فجريان الاصول في تمام الأطراف مؤدّ إلى الترخيص في المعصية وهو محال لقبحه ، وأنّ المناط في وجوب الموافقة القطعيّة هو احتمال العقاب الملازم لاحتمال الضرر بترك كلّ طرف من تلك الأطراف وأنّه لا ملازمة بين حرمة المخالفة ووجوب الموافقة لعدم وحدة الملاك وعدم تلازم الملاكين أيضا ، وظهر أنّ احتمال العقاب متى تحقّق فهو منجّز للتكاليف فلا بدّ فيه من المؤمّن ، ومع عدم المؤمّن لا محيص عن وجوب الموافقة ، وكون الشبهة غير محصورة لم يتحقّق كونه مؤمّنا فيبقى الاحتمال منجّزا.
نعم ، إذا كثرت الأطراف فالغالب خروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء فيكون الخروج عن محلّ الابتلاء رافعا للعلم الإجمالي بالتكليف الفعلي ، فلا يكون الاحتمال حينئذ منجّزا لكونه شكّا في التكليف فتجري البراءة فتكون هي المؤمّنة