حينئذ ، لكن إذا لم يخرج بعض الأطراف مع الكثرة عن محلّ الابتلاء لا يكون ثمّة مؤمّن لارتكاب محتمل الحرمة أو ترك محتمل الوجوب أصلا كما بيّنّا.
وما يقال : من قيام الإجماع على عدم تنجيز العلم الإجمالي حيث تكون الشبهة غير محصورة ، فلا يخفى عليك ما فيه :
أمّا أوّلا : فليست هذه المسألة محرّرة في كلمات قدماء الأصحاب حتّى يتحقّق الإجماع ، وإنّما هي حادثة في ألسن المتأخّرين.
وأمّا ثانيا : فلو سلّم الإجماع فهو لا يكشف عن قول المعصوم عليهالسلام ، إذ لعلّ اتّفاقهم إمّا من جهة غلبة اتفاق خروج بعض أطرافها عن محلّ الابتلاء ، وإمّا من جهة ضعف احتمال التكليف حتّى كان موهوما ، وإمّا من جهة أنّها يمتنع فيها المخالفة القطعيّة عادة. فظهر أنّ الإجماع غير مسلّم وعلى تقديره فتقييدي.
وكذا ما يقال : من أنّ أدلّة العسر والحرج ورفعهما يكفي في عدم التنجيز ، فإنّ العسر والحرج يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان أوّلا.
ولا يرفع إلّا ما كان حرجيّا وهو مثلا تكرير محتمل الوجوب أربعين مرّة لا أربع مرّات أو مرّتين ومرادنا في التنجيز عدم حرمة ترك الواحد أيضا ثانيا.
مع أنّه لا يمكن للفقيه أن يحكم بعنوان محصورة أو غير محصورة لعدم كون الحكم لذلك العنوان. نعم ، لو كان الحرج علّة تشريع كما في طهارة الحديد فلا يضرّه التخلّف في بعض الموارد ، لأنّ الحكمة لا تدور مدار الحكم الفعلي.
وربّما استدلّ بعضهم (النائيني قدسسره) على عدم تنجيز العلم الإجمالي حيث تكون أطرافه غير محصورة برواية الجبن المعروفة الّتي يقول الإمام فيها : «من أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم ما في الأرض جميعا؟» (١). حيث دلّت بظاهرها على عدم تحريم الجبن بالعلم بجعل الميتة فيه في موضع واحد مع العلم أن لا خصوصيّة للجبن (٢).
__________________
(١) الوسائل ١٧ : ٩ ، الباب ٦١ من أبواب الأطعمة المباحة ، الحديث ٥.
(٢) أجود التقريرات ٣ : ٤٧٣.