في الطرف الآخر (١) بتقريب أنّ تساقط أصالتي الطهارة في الثوب والإناء أوجب تنجيز المعلوم الإجمالي بتمام أحكامه ، فكان المعلوم الإجمالي قد تنجّز فإذا تنجّز ترتّب عليه جميع أحكامه ومنها حرمة شربه.
والّذي ينبغي أن يقال : إنّ الاصول الجارية في الطرفين إمّا أن يكون دليلها واحدا مثل أصالة الطهارة أو استصحابها في مثال الثوب والإناء ، وفي مثله لا إشكال في سقوط الاصول المتعارضة وهي أصالة الطهارة أو استصحابها في الثوب والإناء وبعد تساقطها لا معنى لعدم جريان أصالة الحلّ حينئذ ؛ لأنّ السبب الّذي أوجب سقوط أصالتي الطهارة أو استصحابها إنّما هو الترخيص في المعصية لو جرت في كليهما للقطع بتخصيص كلّ شيء نظيف بأحدهما ، والترجيح من غير مرجّح لو جرت في أحدهما خاصّة. وهذا مفقود بالنسبة إلى أصالة الحلّ في الماء إذ هي لا تجري في الثوب لعدم أكله فهو غير معارض أصلا. وبالنسبة إلى جواز الصلاة فيه فالجاري قاعدة الاشتغال كما هو مقرّر في محلّه لا البراءة. ويشهد لما ذكرنا حكم الفقهاء فيمن علم بنجاسة وغسل عرضتا يده وشكّ في تقدّم أيّهما وتأخّرها ، فهنا استصحاب الطهارة معارض باستصحاب النجاسة فيتساقطان فتجري في اليد قاعدة الطهارة بعد سقوط الاستصحابين وحكمهم في كثير من الموارد بمثلها فلا تغفل.
وإن لم يكن دليلها واحدا كما إذا علمنا إجمالا بنجاسة الإناء أو غصبيّة الثوب ففي مثله لا تجري الاصول ؛ لأنّ جريان كلا الأصلين موجب للترخيص في المعصية للعلم الإجمالي بحرمة شرب أحدهما غير أنّ سببها مجهول لدى المكلّف ، وجريان أحدها دون الآخر ترجيح من غير مرجّح فلا بدّ من تساقطها في مثله.
وملخّص ما ذكرنا أنّه حيث كان تساقط الاصول في الأطراف الّتي علم التكليف بها هو الموجب للتنجيز له ، فالاصول إذا كانت من جنس واحد تساقطت كما في
__________________
(١) انظر أجود التقريرات ٣ : ٤٤٧.