وحينئذ فإذا جاز أن يبيّن بمتمّم الجعل عموم الحكم أو تخصيصه جاز أن يبيّن بمتمّم الجعل أيضا مانعيّة القطع الحاصل من غير الكتاب والسنّة عن العمل به ، وليس هذا منعا عن حجّية القطع ، بل عن العمل على طبق المقطوع به. فالمنع عن العمل على طبق القطع الغير الحاصل من الكتاب والسنّة ممكن ، إلّا أنّ الكلام في أنّه واقع أم لا ، الظاهر عدم وقوعه لعدم الدليل المانع عن غير الحاصل من القياس كما تقتضيه رواية أبان. أمّا غير القطع الحاصل من القياس فلا دليل على المنع عنه أصلا.
ولا يخفى عليك ما في قوله : «إنّ استحالة التقييد تستدعي استحالة الإطلاق ، لأنّ التقابل بينهما تقابل العدم والملكة» (فإنّ ذلك في مقام الإثبات والدلالة ، وأمّا في مقام الثبوت فتقابلهما تقابل الضدّين اللذين لا ثالث لهما ، فاستحالة أحدهما تستدعي ضرورية الثاني ، والكلام فيه لا في مقام الإثبات ، فإذا استحال الجعل لخصوص العالم كان الجعل للعموم حينئذ ضروريّا) (١). ومع أنّ التقابل بين الإطلاق والتقييد وإن كان تقابل العدم والملكة إلّا أنّ تقابل العدم والملكة ليس دائما إذا استحال أحد الأمرين استحال الثاني ، وذلك لأنّ الملكة تارة تعتبر بالنسبة إلى نفس الشخص فاستحالة أحد المتقابلين توجب استحالة الآخر ، مثلا لو قسنا البصر أو العمى بالنسبة إلى خصوص هذا الجدار فاستحالته موجبة لاستحالة الثاني المقابل له ، وقد يكتفى في هذا التقابل بوجود الملكة في النوع لا في الشخص ، مثلا يقال للعقرب : أعمى ، فاستحالة البصر في حقّه لا يوجب استحالة العمى ، لأنّ الملكة موجودة في نوع الحيوان ، وقد مثّلنا فيما تقدّم باستحالة الجهل على الله تعالى فهل توجب استحالة العلم؟ نعوذ بالله من ذلك ، مع أنّ التقابل بينهما تقابل العدم والملكة قطعا ، وكما في جهل الممكن بذاته تعالى فاستحالة العلم بذاته تعالى هل توجب استحالة الجهل؟ كلّا ، وما ذلك إلّا لأنّ نوع الموجود المدرك في الأوّل قابل للجهل
__________________
(١) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.