فالأولى الاستدلال على البراءة العقليّة بأن يقال : إنّ الوجوب النفسي المنحلّ إلى أجزاء الواجب قد انحلّ إلى العلم بوجوب الركوع قطعا والعلم بوجوب السجود كذلك وكذا بقيّة أجزاء الواجب المتيقّنة.
وأمّا الجزء المشكوك كالسورة مثلا فلم يعلم انحلال التكليف بالمركّب إليه ، فلا بيان حتّى يثبت وجوب السورة ، فلا يكون ثمّة بيان لوجوب السورة ، فيقبح العقاب لقبح العقاب بلا بيان.
(وتوضيحه : أنّ ذات الأقلّ نفسا مطلوب بمقتضى انبساط الطلب النفسي عليه إلّا أنّه مطلوب بإحدى الخصوصيّتين ، فإمّا أن يكون مطلوبا بشرط شيء أو لا بشرط ، وهما خصوصيّتان متباينتان إلّا أنّ كونه بشرط شيء تقييد وزيادة كلفة فينفيها أصل البراءة ، ولا يعارض بأصالة البراءة في الطرف الثاني ؛ لأنّه لا امتنان في رفع التوسعة ولا معنى له وسيجيء توضيحه) (١).
وقد اشكل على تقريب البراءة بوجوه :
أوّلها : ما ذكره صاحب الكفاية قدسسره (٢) وقد قرّب هذا الإشكال بتقريبين ، ولأجله اختار الاشتغال العقلي فيما دار بين الأقلّ والأكثر.
الأوّل : من تقريبه أنّ الانحلال مستلزم للمحال ؛ لأنّ لزوم الأقلّ متوقّف على تنجّز التكليف به على كلّ تقدير ، ولو كان التكليف متعلّقا بالأكثر فإذا كان لزوم الانحلال مستلزما لعدم تنجّز التكليف إلّا إذا تعلّق بالأقلّ لزم الخلف.
الثاني : من التقريبين أنّ الانحلال يلزم من وجوده عدمه ؛ لأنّه يستلزم عدم التنجّز للتكليف على كلّ حال ، وعدم التنجّز مستوجب لعدم لزوم الأقلّ على كلّ تقدير وهو مستلزم لعدم الانحلال.
__________________
(١) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.
(٢) كفاية الاصول : ٤١٣.