وجوابهما على ما قرّرناه ظاهر ، فإنّ لزوم الأقلّ ليس متوقّفا على تنجّز التكليف على كلّ حال حتّى يلزم ما ذكره ، وإنّما يتوقّف على العلم بالتكليف به إمّا مستقلّا وإمّا في ضمن الأكثر ، يعني إمّا مطلوبة لا بشرط أو بشرط شيء وهو انضمام الجزء المشكوك ، وهذا موجود قطعا ، ضرورة أنّه بتركه الأقلّ يقطع بتوجّه العقاب إليه إمّا لتركه الأقلّ وهو الواجب أو لتركه الأقلّ وهو جزء الواجب.
الثاني : من الإشكالات على البراءة ما يظهر منه قدسسره (١) في ضمن كلماته ، وملخّصه : أنّ التكليف الواحد الارتباطي المنبعث عن مصلحة واحدة بما أنّه واحد فلا يعقل تنجّزه بالنسبة إلى بعض الأجزاء وعدم تنجّزه بالنسبة إلى البعض الآخر ، وتوضيح مراده أنّ احتمال وجوب الأكثر يمنع عن العلم بوجوب الأقلّ ؛ لأنّه يحتمل أن يكون الأقلّ واجبا حيث يكون ملحوقا بالجزء المشكوك وجوبه ، فلا يكون إتيانه من دون إتيان المشكوك منجّزا ، بمعنى كون الأقلّ الّذي هو الواجب واجبا بوصف كونه ملحوقا ببقيّة الأجزاء ، فإتيانه به وحده لا يكون إتيانا له بصفته ، مثلا الركوع الّذي هو جزء من أجزاء الأقلّ قطعا قد لا يكون التكليف به منجّزا إلّا حيث يكون بعد السورة الواجبة وأمّا إتيانه بلا أن يكون مسبوقا بالسورة لا يعلم تعلّق الطلب به فلا يقين بالشغل بالأقلّ.
والجواب أنّ التنجّز ليس بحكم الشارع حتّى يدور مدار المكلّف به ، وإنّما هو بحكم العقل الحاكم بتنجّز ما وصل وقبح العقاب على ما لم يصل ، فوجوب الأقلّ وصل ووجوب الأكثر لم يصل فيحكم بقبح العقاب على ترك ما لم يصل ، فافهم.
الثالث : من الإشكالات على البراءة ما ذكره الميرزا النائيني قدسسره (٢) وملخّصه : أنّ العلم الإجمالي تعلّق بطبيعة الأجزاء مهملة ، وخصوصيّة كون الأمر تعلّق بها مطلقة
__________________
(١) كفاية الاصول : ٤١٣.
(٢) انظر أجود التقريرات ٣ : ٤٩٢ ـ ٤٩٣.