مع أنّه يقطع بأنّ ترك الركوع يوجب عليه العقاب قطعا لكونه على تقدير تركه تاركا للتكليف القطعيّ فهذا ينجّز عليه الإتيان بالركوع ، واحتمال تقييده بكونه بعد السورة ، ينفى بالأصل لقبح العقاب بلا بيان إذ لا بيان بالسورة فرضا. وعلى تقدير التقييد واقعا فليس ترك المقيّد مستندا إلى تقصير المكلّف ، بل لعدم وصول ذلك إليه فالموجب والسبب من قبل المولى ، فلا معنى لعقاب العبد على تركه ما لا بيان به.
وأمّا ما ذكره مؤيّدا : من أنّ الشكّ في الامتثال مجرى لقاعدة الاشتغال وأنّه بعد إتيانه الركوع يشكّ في سقوط أمر الركوع لاحتمال تقيّده بالسورة ، فإن أراد بالشكّ في السقوط الشكّ في سقوط أمره واقعا فهو مسلّم إلّا أنّه لا يستلزم عقابا إذ الشكّ في السقوط الواقعي إنّما يوجب العقاب حيث يتمّ البيان ويكون التقصير في ناحية الامتثال ، وأمّا حيث يكون التقصير في ناحية البيان من المولى فلا ، وإن أراد السقوط بحكم العقل فغير مسلّم إذ السقوط بحكم العقل إنّما هو بإتيان ما وصل إليه ، وما وصل إنّما هو خصوص الركوع فيقبح العقاب على السورة لكونه عقابا بلا بيان.
الرابع : من الإشكالات على جريان البراءة ما ذكره الشيخ الأنصاري (١) بلفظ «إن قلت» وتقريره : أنّ الأحكام بما أنّها تابعة للمصالح والمفاسد عند العدليّة فبإتيان الأقلّ لا يعلم حصول المصلحة فلا بدّ من إتيان الأكثر ؛ لأنّ الشكّ يكون شكّا في المحصّل ، إذ لا يعلم تحقّق المصلحة في ضمن الأقلّ فلا بدّ من الإتيان بالأكثر لتحقيقها قطعا.
وقد أجاب عنه الشيخ الأنصاري بما لم يكن متوقّعا من مثله ، فإنّه أجاب أوّلا بأنّ هذا مبنيّ على تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد أمّا على رأي الأشاعرة فلا يرد.
ولا يخفى أنّ هذا الجواب جدلي ، إذ له أن يقول : أنت ما جوابك عن هذا الوجه مع بنائك على التبعيّة؟
__________________
(١) انظر فرائد الاصول ٢ : ٣١٩ ـ ٣٢١.