وأجاب ثانيا بأنّ المصالح لا يعلم حصولها بالإتيان بالأكثر أيضا في صورة الشكّ في الجزئيّة فاحتمال حصول المصلحة موجود بإتيان الأقلّ وبإتيان الأكثر ، والقطع بحصولها منفيّ حتّى لو جيء بالأكثر ؛ لأنّ الإتيان بالأكثر إنّما يكون بإتيان مشكوك الجزئيّة برجاء المطلوبيّة إذ لا يستطيع الجزم بها ؛ لأنّه تشريع ، ومن المحتمل أن تكون المصلحة مترتّبة على إتيان كلّ جزء بعنوان كونه جزءا يقينيّا بحيث يقصد به وجه الوجوب الغير المتحقّق في المقام.
وهذا الجواب كسابقه فإنّه :
أوّلا : إنّما يتمّ حيث يكون المأمور به عباديّا ، لأنّه الّذي يحتمل فيه اعتبار قصد الوجه ، وأمّا التوصليّات فلا ، لحصول الغرض بصرف الإتيان وإن لم يقصد به القربة.
وثانيا : أنّ لازمه عدم إمكان الاحتياط أصلا ؛ لأنّ كلّ جزء يمكن أن يعتبر فيه قصد الوجه ، فهذا يوجب رفع مشروعيّة الاحتياط كلّية ولا يلتزم بها أحد أصلا حتّى الشيخ نفسه.
وثالثا : أن لا احتمال لاعتبار قصد الوجه في الأجزاء فإنّ من يعتبره لتلك الشبهة الكلاميّة إنّما يعتبره في مجموع العمل الّذي يمكن فيه معرفة الوجه ، أمّا ما لم يمكن فيه معرفة الوجه من العمل الكامل أو الجزء وإن أمكن فيه معرفة الوجه فلا يعتبر فيه قصد الوجه أصلا.
وقد أجاب الميرزا النائيني (١) عن هذه الشبهة بأنّ الغرض إن كان ترتّبه على العمل ترتّب المعلول على علّته التامّة فيمكن أن يأمر الشارع به وأن يأمر بعلّته ، مثلا يقول : اقتل المشرك أو اضرب عنقه ، وحيث يكون من الأفعال الّتي هي مترتّبة على عمل يكون ترتّبها عليه ليس كترتّب المعلول على علّته التامّة ، فهنا إنّما يسع الشارع أن يأمر بالسبب ولا يسعه أن يأمر بالمسبّب ؛ لأنّه قد لا يقدر عليه.
__________________
(١) انظر أجود التقريرات ٣ : ٥٠١ ـ ٥٠٢.