فإنّ حديث الرفع إنّما يرفع العقاب والجزئيّة ولا يثبت تحقّق تحصيل الغرض بالإتيان بالأقلّ إلّا بالأصل المثبت ، وحينئذ فمع الشكّ في حصول الغرض الملزم لا بدّ من الإتيان بالجزء المشكوك.
نعم ، لو كان دليل نفي الجزئيّة من الأدلّة اللفظيّة تكون لوازمها حجّة ، أو كان من الاصول العمليّة وكان واردا في خصوص المشكوك من الأجزاء فكذلك ، إذ لا أثر له إلّا هذا اللازم العقلي وهو نفي الجزئيّة ، فإذا لم يرتب عليه يلزم لغويته فنرتّب الآثار صونا لكلام الحكيم عن اللغوية ، أمّا إذا لم يكن إلّا الأدلّة العامّة كحديث الرفع وشبهه فلا يمكن التمسّك به في حصول الغرض الملزم إلّا من باب الأصل المثبت ومعلوم عدم حجّيته ، فافهم وتأمّل.
وإن كان الوجه لعدم جريان البراءة العقليّة ما ذكره الميرزا النائيني قدسسره من أنّ العلم الإجمالي متعلّق بالطبيعة المهملة وخصوصيّتا الإطلاق والتقييد مجهولتان فيتعارض الأصلان ويتساقطان (١) وأغمضنا النظر عمّا ذكرنا في ردّه من أنّ الأصل لا يجري في الإطلاق ؛ لأنّه رفض القيود ورفع للتكليف فلا معنى لجريان أصالة عدم الإطلاق فلا تجري البراءة الشرعيّة أيضا ؛ لأنّ حديث الرفع إن رفع وجوب الأكثر فلا يثبت وجوب الأقلّ ؛ لأنّ رفع وجوب أحد المتقابلين لا يثبت وجوب مقابله إلّا بالأصل المثبت.
ويمكن أن يقال : إنّ ما ذكره الميرزا قدسسره مبنيّ على ما ذكره سابقا من أنّ التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة (٢) فالإطلاق هو عبارة عن عدم التقييد فبأصالة عدم وجوب المقيّد يكون المطلق واجبا ؛ لأنّه نفس عدم التقييد لا ملازم له.
__________________
(١) انظر أجود التقريرات ٣ : ٤٩٣.
(٢) راجع أجود التقريرات ٢ : ٤١٦.